طير السماء ووحش الأرض معهم ، لفعل ، ولو فعل لسقط البلاء وبطل الجزاء ، واضمحلّ الابتلاء ـ إلى أن قال عليهالسلام ـ :
ولو كانت الأنبياء أهل قوّة لا ترام ، وعزّةٍ لا تضام ، ومُلك يمدّ نحوه أعناق الرجال ، ويشدّ إليه عقد الرحال لكان أهون على الخلق في الاختبار ، وأبعد لهم في الاستكبار ، ولآمنوا عن رغبة قاهرة لهم أو رهبة مائلة بهم فكانت النيّات مشتركةً ، والحسنات مقتسمة . ولكنّ اللّه أراد أن يكون الاتّباع لرسله ، والتصديق بكتبه ، [ . . .] والاستكانة لأمره ، والاستسلام إليه اُموراً [له (١) ] خاصّة لا تشوبها من غيرها شائبة ، وكلّما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل .
ألا ترون أنّ اللّه عزوجل اختبر الأوّلين من لدن آدم صلوات اللّه عليه إلى الآخرين من هذا العالم بأحجارٍ لا تضرّ ولا تنفع ، ولا تبصر ولا تسمع ، فجعلها بيته الحرام الذي جعله للناس قياماً .
ثمّ جعله بأوعر بقاع الأرض حجراً ، وأقلّ مواقع (٢) الدنيا مدراً ، وأضيقِ بطون الأودية معاشاً بين جبال خشنة ورمال دمثةٍ [ . . .] وقرىً منقطعة [ . . .] .
ثمّ أمر آدم عليهالسلام وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه ، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم ، وغايةً لملقى رحالهم ، تهوي إليه ثمار الأفئدة من مفاوز قفار متّصلة ، وجزائر بحار منقطعة ، ومهاوي فجاج عميقة ، حتّى يهزّوا مناكبهم ذلـلاً [يهلّلون] (٣) للّه حوله ، ويرملونَ على أقدامهم شُعثاً غُبراً لـه ، ابتلاءً
__________________
(١) ما بين المعقوفين من المصدر .
(٢) في «ن» : مواضع ، وفي المصدر : «نتائق» .
(٣) ما بين المعقوفين أضفناه من المصدر .