أقول : لعلّ مراده عليهالسلام أنّهما ورّيا في كلامهما على ما سيأتي في جواز التورية والتجوّز في الكلام تقيّةً ومصلحةً .
وقال عليهالسلام : «ما بلغت تقيّةُ أحدٍ تقيّة أصحاب الكهف ، إنّهم كانوا يشهدون الأعياد ويشدّون الزَّنانير (١) ، فأعطاهم اللّه أجرهم مرّتين» (٢) .
وقال عليهالسلام : «التقيّة في كلّ شيء يضطرّ إليه ابن آدم ، وصاحبها أعلم بها حين تنزل به» (٣) .
وفي رواية عن الباقر عليهالسلام أنّه قال : «إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدّم ، فإذا بلغ الدم فليس تقيّة» (٤) .
وأخبار أهل البيت في هذا الباب أكثر من أن تحصى ، وسيأتي بعض منها في المقالة التاسعة من المقصد الثاني الموضوعة لتحقيق التقيّة ونحوها ، وكذا أخبار المخالفين في هذا كثيرة جدّاً ، مع وجود شواهد صدقها ، وسنذكر تحقيق ذلك مفصّلاً على ما ينبغي في المقالة المذكورة ، وقد ذكرنا هاهنا أيضاً آنفاً بعض أخبارهم ، ولنذكر بعضاً آخَر أيضاً تمهيداً لما سيأتي ـ إن شاء اللّه ـ في المقالة المذكورة :
روى البخاري ، والطبراني عن ابن عباس ، عن النبيّ صلىاللهعليهوآله (أنّه قال : «يكفي المرء إذا رأى منكراً لا يستطيع له تغييراً أن يعلم اللّه تعالى أنّه له
__________________
(١) الزُّنّار والزُّنّارة : ما على وسط المجوسي والنصراني ، وفي تهذيب اللغة : ما يلبسه الذمّي يشدّه على وسطه . تهذيب اللغة ١٣ : ١٨٩ ، لسان العرب ٤ : ٣٣٠ ـ مادّة زنر ـ .
(٢) تفسير العيّاشيّ ٣ : ٨٩ / ٢٦٣٣ ، الكافي ٢ : ١٧٣ / ٨ ، (باب التقيّة) بتفاوت يسير .
(٣) انظر : الكافي ٢ : ١٧٤ / ١٣ و١٧٥ / ١٨ (باب التقيّة) .
(٤) المحاسن ١ : ٤٠٤ / ٩١٤ ، الكافي ٢ : ١٧٤ / ١٦ (باب التقيّة) ، تهذيب الأحكام ٦ : ١٧٢ / ٣٣٥ .