التلبية إلاّ بتكلّف بعيد كما يأتي.
وأمّا الثاني : فلا مانع عنه ، بل هو الصحيح ، ولكن بأن يقال : إنّه قد عرفت أنّ الإحرام بالصلاة هو الدخول في أول جزء منه ، أو الدخول في حالة يحرم معها ما يحرم على المصلّي ، وإنّ المعنيين فيها يتحقّقان بالتكبيرة ، وليس لها جزء مقدّم على التكبيرة لا يجوز معه ارتكاب المحرّمات.
ولكن العمرة والحجّ يفترقان عن الصلاة في ذلك وفي أمر آخر ، هو : أنّ الواجب في نيّة الصلاة على التحقيق نيّة فعلية واحدة متحققة لمن يريد الصلاة قطعا ، ووقتها موسّع من بدو الشروع في مقدّماتها إلى الشروع في التكبيرة ، وليس لها وقت معيّن آخر في ذلك الأثناء يجب الإتيان بها على التحقيق ، وبعد تحقّقها الابتدائي تكفي الحكمية إلى آخر الصلاة.
بخلاف العمرة والحجّ ، فإنّهما وإن يستلزمان عقلا نيّة فعلية في بدو الشروع إلى مقدماتهما ـ من غسل الإحرام وصلاته ، بل من الخروج من البيت والمسافرة ـ ولكن تجب نيّة فعلية أخرى عند الميقات ، وهي المأمور بها بقوله في الأخبار : « وانو المتعة » و : « يفرض الحجّ » ونحو ذلك (١).
فيمتازان عن الصلاة ونحوها بلزوم هذه النيّة الفعليّة في ذلك الموضع ، كما يمتازان عنها وعن سائر الواجبات باستحباب التلفّظ بالمنويّ فيهما ، كما يأتي.
وهذه النيّة أول الأفعال الواجبة للحجّ والعمرة ، وثانيها : لبس الثوبين ، وثالثها : التلبية ، ولكن الفعلين الأولين لا يحرّمان شيئا من المحظورات على المحرم ، وإنّما هي تحرم بالثالث ، فيتحقّق الإحرام بأحد المعنيين : بالنيّة ولبس الثوبين ـ وهذا الذي يجب الإتيان به في الميقات ولا يجوز التجاوز
__________________
(١) المتقدمة في ص : ٢٥٨.