وألبسته لبوساً ما هو لبوس الأبرار ، ولقد مهّدت له أمراً أمتع ما يكون به أشغل ما يكون عنه.
وقال المنصور يوماً لابنه المهدي : كم عندك من دابة ؟ فقال : لا أدري. فقال : هذا هو التقصير ، فأنت لأمر الخلافة أشدّ تضييعاً.
أعلن المهدي العباسي في مستهل حكومته عفواً يكاد يكون عاماً عن سجناء الرأي المودَعين في سجون السلطة ، وتحدّث المؤرخون عن أنه أمر عند وفاة المنصور بإخراج من في المحابس من الطالبيين وغيرهم من سائر الناس فأطلقهم ، وأمر لهم بجوائز وصِلات وأرزاق (١).
وذلك العفو لا يعني الخروج عن النهج المألوف القاضي بقمع حركة الطالبيين الداعين إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، واستبداله بسياسة التسامح وسماع الرأي الآخر ، يتّضح ذلك من خلال موقف المهدي من قادة الطالبيين الخارجين في زمانه ، ومنهم أبو الحسن علي بن العباس بن الحسن ، وكان قدم بغداد ودعا إلى نفسه سراً ، فاستجاب له جماعة من الزيدية ، وبلغ المهدي خبره فأخذه ، فلم يزل في حبسه حتى قدم الحسين بن علي صاحب فخ فكلمه فيه واستوهبه منه فوهبه له ، فلما أراد إخراجه من حبسه دسّ إليه شربة سمّ فعملت فيه ، فلم يزل ينتقض عليه بمرور الأيام حتى قدم المدينة فتفسّخ لحمه وتباينت أعضاؤه ، فمات بعد دخوله المدينة بثلاثة أيام (٢).
وسخط المهدي على يعقوب بن داود بن طهمان وزيره الذي فوّض إليه جميع أمر الخلافة ، لأنه أمره بقتل الحسن بن ابراهيم بن عبد الله بن الحسن بن
__________________
(١) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٣٩٤.
(٢) مقاتل الطالبيين : ٢٦٧.