عاش الإمام الكاظم عليهالسلام أطول فترة من إمامته في زمان هارون لعنة الله عليه ، فكان نصيبه من ظلم هذا الطاغية كبيراً ، اذ لم يرق لهارون ما يملك الإمام من امتداد واسع في الواقع الإسلامي ، وما يشاهده من اقبال الناس عليه ورجوعهم إليه ، وتأثرهم بروحانيته ورجاحة علمه ، فاستدعى الإمام عليهالسلام إلى بغداد وعرضه للسجن والتعذيب بذرائع وتهم شتى ، أثبتت الوقائع براءته عن كل ما يرمى به منها ، حتى أن رأس السلطة صرح بذلك في أكثر من مناسبة ، حيث قال هارون نفسه : الناس يحملونني على موسى بن جعفر وهو برئ مما يرمى به (١). لأن الإمام عليهالسلام كان يعتزل العمل السياسي ، فلم يخرج على حاكم ولا دعا أحداً إلى مبايعته ، ولم يتحرك ضدّ هارون ولا غيره ، ولكنها الغيرة من النجاحات الهائلة التي حققها الإمام عليهالسلام في مختلف أوساط الأُمّة.
وشهدت هذه الفترة من جانب آخر كثيراً من المناظرات التي خاضها الإمام مع هذا الطاغية وغيره من رجال السلطة ، تتعلق بأهم الشبهات المثارة من قبل بني العباس حول الإمامة وحقوق أهل البيت عليهمالسلام.
ذكر كثير من المؤرخين أن الإمام عليهالسلام أقام في المدينة بعد أن أطلقه المهدي العباسي إلى أيام هارون ، فقدم هارون منصرفاً من عمرة شهر رمضان سنة ( ١٧٩ ه ) (٢) ، فحمل موسى الكاظم معه إلى بغداد وحبسه بها إلى أن استُشهد في محبسه مسموماً سنة ( ١٨٣ ه ) ، وقيل : سنة ( ١٨٦ ه ) (٣).
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٦٦ / ٩٩ ، بحار الأنوار ٤٨ : ١٦٥ / ٧.
(٢) وحدد الشيخ الكليني : لعشر ليال بقين من شوال سنة ( ١٧٩ ه ).
(٣) تاريخ بغداد ١٣ : ٢٩ ، وفيات الأعيان ٥ : ٣٠٨ ، الكافي ١ : ٤٧٦.