كلمة المركز
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام علىٰ نبينا محمد أشرف الأنبياء والمرسلين ، وعلى آله الهداة الأطهار الميامين ، وبعد..
تُعدّ ظاهرة الاشتباه بالباطل من الظواهر الفكرية والثقافية الأشدّ وضوحاً في تاريخ المسلمين ، لأن من شأن من يدعو إلى الباطل ويروّجه أن يخلطه بشيء من الحق ، ويلبسه لباسه ، وإلاّ لما اشتبه العاقل بالباطل الصرف الذي لا حقّ معه ، وفي هذا يقول أمير المؤمنين عليهالسلام : « ألاَ أن الحق لو خَلَصَ ـ يعني من مزج الباطل ـ لم يكن اختلاف ، ولو أن الباطل خَلَصَ ـ يعني من مزج الحق ـ لم يخفَ على ذي حِجىٰ ، لكنّه يُؤخذ من هذا ضغث ومن هذا ضغث ، فيمتزجان ، فيجللان معاً ، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنىٰ ».
وفي تاريخ المسلمين شواهد لا تحصى على هذه الظاهرة التي لازمت الفكر الإسلامي منذ وفاة الرسول صلىاللهعليهوآله وإلى يوم الناس هذا ، ومن هنا كان أمير المؤمنين عليهالسلام يقول : « سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس فيه شيء أخفىٰ من الحق ، ولا أظهر من الباطل ».
والسبب في ذلك هو تفشّي ظاهرة امتزاج الباطل بشيء من الحق على أكثر من صعيد ، وانطلاء ذلك على معظم الناس إلاّ من عصم الله عزّوجلّ.
والدين الخاتِم الذي جاء لنصرة الحق وإذلال الباطل يستحيل أن يغفل عن تلك الظاهرة ولا يعالجها علاجاً شافياً وحاسماً ليقطع بذلك كل مخاصمة أو جدل.
ويجد المتتبع عشرات الأدلّة الشرعية الصريحة في كيفية الخروج من هذه الظاهرة منتصراً بجعل كلمة الحق هي العليا على ما سواها من كلمات الباطل.
ولا خلاف بأن القرآن الكريم هو سيد الأدلّة بلا منازع ، وهو الحجّة البالغة والدليل القاطع لما فيه من البيان والهدىٰ ، قال تعالىٰ : ( هَٰذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ ).
ومن الواضح أنّ القرآن الكريم حمّال ذو وجوه ، بل ويمكن لأهل كل اتجاه الاستدلال ببعض آياته المتشابهة على صحّة ما يعتقده ويتبنّاه ، ومن هنا نرى أمير المؤمنين عليّاً عليهالسلام ينهى ابن عباس حين أرسله إلى الخوارج عن الاحتجاج عليهم بالقرآن ، بل أمره بالاحتجاج بالسنّة الثابتة ، خشية مما ذكرناه.