وكان أبو الحسن موسى عليهالسلام في حائط له يصرم (١) ، فأخذ غلام له كارة (٢) من تمر ، فرمى بها وراء الحائط ، فذهبوا به إليه ، فقال للغلام : « أتجوع ؟ قال : لا يا سيدي ، قال : فتعرى ؟ قال : لا يا سيدي ، قال : فلأي شيء أخذت هذه ؟ قال : اشتهيت ذلك ، قال : اذهب فهي لك ، وقال : خلوا عنه » (٣).
تحلّى الإمام الكاظم عليهالسلام كسائر آبائه الميامين بالتواضع والبساطة ورقّة الحاشية ، وكان إلى جانب ذلك تحوطه هالة من الوقار والهيبة ، تجعله يفرض احترامه وإجلاله وإعظامه على الناس حكّامهم ورعيتهم ، قال أبو العلاء المعري في قصيدة يرثي بها أبا أحمد الموسوي والد الشريف الرضي والمرتضى :
ويخال موسى جدكم لجلاله |
|
في النفس صاحب سورة الأعراف (٤) |
وجاء في وصيته المشهورة لهشام بن الحكم ما يؤكد هذه المعاني السامية قال عليهالسلام : « يا هشام ، ما من عبد إلاّ وملك آخذ بناصيته ، فلا يتواضع إلاّ رفعه الله ، ولا يتعاظم إلاّ وضعه الله.
وأشار عليهالسلام إلى نبذ الكبر لكونه رداء الرحمن : يا هشام ، إيّاك والكبر ، فإنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر ، الكبر رداء الله ، فمن نازعه رداءه أكبه الله في النار على وجهه. والتواضع في تعاليمه الإلهية سبب للرفعة والحكمة التي تجافي قلب المتكبر : يا هشام ، إن الزرع ينبت في السهل ولا ينبت في الصفا ، فكذلك الحكمة تعمر في قلب المتواضع ، ولا تعمر في
__________________
(١) صرم النخل : قطع ثمرته.
(٢) الكارة : مقدار معلوم من الطعام أو الحنطة أو التمر.
(٣) الكافي ٢ : ١٠٨ / ٧.
(٤) سقط الزند : ٣٦.