افتخاره عليهالسلام على هارون ، حين جاء قبر النبي صلىاللهعليهوآله زائراً له وحوله قريش وسائر القبائل ، فلما انتهى إلى القبر قال : « السلام عليك يا رسول الله يا بن عمي ، فدنا موسى بن جعفر عليهالسلام فقال : السلام عليك يا أبه » (١).
ومثلها أيضاً أن الرشيد لما حج لقيه موسى بن جعفر عليهماالسلام على بغلة ، فقال له الفضل بن الربيع : « ما هذه الدابة التي تلقيت عليها أمير المؤمنين ؟ فأنت إن طلبت عليها لم تدرك ، وإن طلبت لم تفت. قال : إنها تطأطأت عن خيلاء الخيل ، وارتفعت عن ذلة العِير ، وخير الأمور أوسطها » (٢). فإنما يتلقى الناس الخليفة على الخيل أو الابل الفارهة وليس على البغال ، لكن الإمام عليهالسلام يريد أن يؤكد حقيقة أن أولى الناس بالتواضع هو خليفة المسلمين ، وعليه أن يتحلى بأوسط الأمور ويأمر الناس بها ، لأن التواضع خصلة كريمة ، والافراط بها يعني الخيلاء والتكبر ، والتفريط بها يعني الذلة والخنوع ، وهو هنا يقدم مثلاً رائعاً في الزهد والتواضع والترفع عن مظاهر الترف الزائلة.
اتخذ الإمام الكاظم عليهالسلام ومن قبله آباؤه الميامين عليهمالسلام موقفاً حازماً تجاه السلطات الحاكمة ، يتمثل في دعوة أصحابه إلى مقاطعتها وعدم الركون إليها ، والتحذير من شتى أنواع التعاون معها ، وتحريم الانضواء في أجهزتها إلاّ في حالات خاصة ، وصرّح الإمام عليهالسلام بهذا الموقف لصفوان بن مهران الجمّال وغيره من أصحابه ، قال صفوان : « دخلت على أبي الحسن الأول عليهالسلام فقال لي : يا صفوان ، كلّ شيءٍ منك حسن جميل ما خلا شيئاً واحداً. قلت : جعلت فداك ، أيّ شيء ؟ قال : اكراؤك جمالك من هذا الرجل ـ يعني هارون ـ قال :
__________________
(١) تاريخ بغداد ١٣ : ٣١.
(٢) مقاتل الطالبيين : ٣٣٣ ، مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٣٣ ، اعلام الورى ٢ : ٢٧.