والله ما أكريته أشراً ولا بطراً ولا للصيد ولا للهو ، ولكنّي أكريته لهذا الطريق ـ يعني طريق مكة ـ ولا أتولاه بنفسي ، ولكن أبعث معه غلماني. فقال لي : يا صفوان ، أيقع كراؤك عليهم ؟ قلت : نعم ، جعلت فداك. قال : فقال لي : أتحبّ بقاءهم حتى يخرج كراؤك ؟ قلت : نعم ، قال : من أحبّ بقاءهم فهو منهم ، ومن كان منهم كان ورد النار. قال صفوان : فذهبت فبعت جمالي عن آخرها ... » (١).
وعن زياد بن أبي سلمة قال : « دخلت على أبي الحسن موسى عليهالسلام فقال لي : يا زياد ، انّك لتعمل عمل السلطان ؟ قال : قلت : أجل. قال لي : ولِم ؟ قلت : أنا رجل لي مروءة وعليّ عيال وليس وراء ظهري شيء. فقال لي : يا زياد ، لئن أسقط من حالق فأتقطّع قطعة أحبّ إليّ من أن أتولّى لأحدٍ منهم عملاً أو أطأ بساط رجلٍ منهم ، إلاّ لماذا ؟ قلت : لا أدري جعلت فداك. قال : إلاّ لتفريج كربة عن مؤمن ، أو فك أسره ، أو قضاء دينه. يا زياد ، إنّ أهون ما يصنع الله جل وعز بمن تولّى لهم عملاً أن يضرب عليه سرادق من نار إلى أن يفرغ من حساب الخلائق. يا زياد ، فإن وليت شيئاً من أعمالهم فأحسن إلى إخوانك فواحدة بواحدة ، والله من وراء ذلك » (٢).
يمكن أن نوعز الأسباب التي أدت إلى اتخاذ هكذا موقف من قبل الإمام الكاظم عليهالسلام وآبائه المعصومين إلى ما يلي :
أولاً : إنّ السلطات المعاصرة للأئمة عليهمالسلام قد أمعنت في إقصائهم عن قيادة الاُمّة ، وعن أداء دورهم الرسالي الذي جعله الله تعالى حقّاً لهم ، ومارست
__________________
(١) رجال الكشي : ٤٤٠ / ٨٢٨.
(٢) الكافي ٥ : ١٠٩ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٣٣ / ٩٢٤.