ظُلم فغفر ، وأنت من ذلك النسل. قال : فتبسم وقال : أعد علي ، فأعدت ، فقال : مثلك فليكن زعيم القوم ، وقد عفوت عنكم ، ووهبت لكم جرم أهل البصرة ـ إلى أن قال ـ سرحنا إلى المدينة ، وكفى الله مؤنته » (١). وذلك أوضح شاهد على الأجواء الخانقة التي عاشها الإمام عليهالسلام وعموم أهل بيته وعمومته ، وهو يكشف أيضاً مساحة واسعة من سريرة المنصور تجاه أهل البيت عليهمالسلام.
وتلك الأجواء اضطرت الإمام الصادق عليهالسلام إلى أن يتحاشى الصراحة في النص على إمامة ولده الكاظم عليهالسلام إلاّ لخواص أصحابه خوفاً من السلطات الحاكمة التي شددت المراقبة عليه في السنين الأخيرة من حياته المباركة ، وهددت بقتل الإمام الذي ينص عليه ، فأوصى الإمام الصادق عليهالسلام إلى خمسة أشخاص ـ وروي إلى ثلاثة ـ حذراً على الإمام الذي بعده وعلى شيعته ، وتوفّي الإمام الصادق عليهالسلام مسموماً بعنب دسّه إليه المنصور لعنه الله سنة ( ١٤٨ ه ) (٢).
أعلن المنصور حرباً منظّمة في كل الاتجاهات ضد الطالبيين لم يسلم منها أحد منهم ، وقد أفرط هذا الطاغية في استخدام القوة ضدهم متبعاً سياسة السيف والنطع ، وكمّم أفواههم ، وأمعن في اذلالهم واضطهادهم ، وزجهم في السجون وأذاقهم جميع صنوف العنف والجور والعذاب.
ففي الأيام التي توارى فيها محمد النفس الزكية قبض المنصور على أبيه واثني عشر من آل بيته ، فزجّهم مصفدين بالأغلال في سجن مظلم لا يُعرف فيه
__________________
(١) مقاتل الطالبيين : ٢٣٢.
(٢) الفصول المهمة : ٢٣٠ ، دلائل الإمامة / الطبري : ٢٤٦ ، الاعتقادات / الشيخ الصدوق : ٩٨ ، مناقب آل أبي طالب / ابن شهرآشوب ٣ : ٣٩٩.