وأشار الشيخ المفيد إلى بعض أبعاد الوصية ومعناها الرمزي بقوله : « قد تظاهر الخبر فيما كان عن تدبير أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهالسلام ، وحراسته ابنه موسى بن جعفر عليهماالسلام بعد وفاته من ضرر بوصيته إليه ، وأشاع الخبر عند الشيعة إذ ذاك باعتقاد إمامته من بعده ، والاعتماد في حجتهم على إفراده بوصيته مع نصه عليه بنقل خواصه. فعدل عن إقراره بالوصية عند وفاته ، وجعلها إلى خمسة نفر : أولهم المنصور وقدمه على جماعتهم إذ هو سلطان الوقت ومدبر أهله ، ثم صاحبه الربيع من بعده ، ثم قاضي وقته ، ثم جاريته وأم ولده حميدة البربرية ، وختمهم بذكر ابنه موسى بن جعفر عليهماالسلام يستر أمره ويحرس بذلك نفسه. ولم يذكر مع ولده موسى أحداً من أولاده ، لعلمه بأن منهم من يدعي مقامه من بعده ، ويتعلق بادخاله في وصيته. ولو لم يكن موسى عليهالسلام ظاهراً مشهوراً في أولاده معروف المكان منه وصحة نسبه واشتهار فضله وعلمه وحكمته وامتثاله وكماله ، بل كان مثل ستر الحسن عليهالسلام ولده ، لما ذكره في وصيته ، ولاقتصر على ذكر غيره ممن سميناه ، لكنه ختمهم في الذكر به كما بيناه » (١).
استقبل الإمام الكاظم عليهالسلام إمامته في جو محفوف بالمخاطر ، فمن جهة يواجه سلطة تراقبه وتذكي عيونها لتبطش به ، فهو يضطر إلى الاستمرار في اتباع اُسلوب الحذر والكتمان من إبداء أي نشاط يدل على إمامته لشدة طلب المنصور لصاحب الوصية من أهل البيت عليهمالسلام بعد الإمام الصادق عليهالسلام ، ومن جانب آخر هو مطالب برفع الحيرة عن شيعته ، الذين قال بعضهم بإمامة غيره ، وذلك يستوجب إظهار النص ونشره إلى أوسع قاعدة من أصحابه.
__________________
(١) المسائل العشر في الغيبة : ٧٠ ـ ٧١.