وخوف هارون الطاغية اللعين من الإمام يتجلى من خلال تصريح سليمان ابن المنصور عم هارون ، حين قيل له : هذا موسى بن جعفر مات في الحبس ، فأمر هارون أن يدفن بحاله. فقال سليمان : موسى بن جعفر يدفن هكذا ! فإن في الدنيا من كان يُخاف على الملك ، في الآخرة لا يوفّى حقه ؟ (١).
إن دأب الطغاة في كل عصر هو احتكار أسباب العظمة والتعالي لذواتهم ، فتستعر نفوسهم غيرة وحقداً على كل شخصية مرموقة في المجتمع ، ويزداد ذلك كلما كان الحاكم على مستوى متدنٍ في سيرته وخلقه ، فلم يرق له أن يسمع الناس وهم يتحدثون عن شخص تجتمع فيه الكمالات الروحانية والفكرية قولاً وعملاً ، ويعدّ اختصاراً لشخص الرسول الكريم صلىاللهعليهوآله في مظاهر العظمة من العبادة ورجاحة العلم والحلم والزهد والكرم والشجاعة وغيرها.
إن بغض أهل البيت عليهمالسلام ثقافة يرثها الحاكم عن أسلافه ويتقرب بها إليه أخلافه ، ففي رواية الشيخ الصدوق عن المأمون يقول : ما زلت أحب أهل البيت وأظهر للرشيد بغضهم تقرباً إليه (٢).
وما ذنب الأئمة عليهمالسلام حتى يُحقد عليهم إذا أحب الناس العلم وأهله والحق ومن انتصر له ؟ ذنبهم الوحيد عند الطغاة أنهم ورثة الأنبياء عليهمالسلام ، وأنهم أئمة حق وهدى وغيرهم أئمة باطل وضلال.
وتتجسد غيرة هارون اللئيم من الإمام الكاظم عليهالسلام في موقف افتخر فيه الإمام عليهالسلام على هارون حين جاء مكة حاجاً ، فأتى قبر النبي صلىاللهعليهوآله زائراً له وحوله قريش وأفياء القبائل ومعه موسى بن جعفر عليهماالسلام ، فلما انتهى إلى القبر
__________________
(١) مناقب آل أبي طالب ٣ : ٤٤١.
(٢) أمالي الصدوق : ٣٠٧ / ١ ، عيون أخبار الرضا ١ : ٩٣ / ١٢.