موقع المقاومة المسلحة للسلطة لعدم توفر عناصر القوة على مواجهة الحكم بالرفض الصريح والعمل الثوري من أجل إقامة دولة العدل ، وهناك مصالح أخرى يقدرها الإمام عليهالسلام ويحسب حسابها ، ومع كل ذلك كان مبعث رعب وقلق في نفوس الحاكمين من بني العباس ، فأفقدوه حريته وجعلوه مفرداً غريباً وبالتالي تآمروا على حياته.
وفيما يلي نذكر مواقف الإمام عليهالسلام من جملة الأمور الاُخرى التي تهمه وتتطلب تدخله ، سواء ما يخص رجال السلطة أو أصحابه وشيعته أو ساجنيه.
السجن في عرف الإمام عليهالسلام هو ابتلاء ينقضي مثلما ينقضي الرخاء ، لكن هناك يوم طويل أعده الله للمقاصّة من الطغاة الظالمين ، ذلك هو فحوى رسالته التي بعثها الإمام عليهالسلام من السجن إلى هارون لما طال سجنه ، ونصها : « إنه لن ينقضي عني يوم من البلاء إلاّ انقضى عنك معه يوم من الرخاء حتى نفضي جميعاً إلى يوم ليس له انقضاء يخسر فيه المبطلون » (١).
والسجن عند الإمام الكاظم عليهالسلام مدرسة للعبادة والطاعة والصبر يسخرها الإنسان العارف لبلوغ مدارج الكمال ، ويتعلم فيها ويعلّم العزم الثابت والإرادة الصلبة والتصميم الراسخ على تحمّل الأزمات ، فصبر راضياً بما قضاه الله حتى سمّي الكاظم لما تحمّل من صعاب وما كظم من غيظ عما فعله الظالمون به.
كان عليهالسلام في السجن سيد الصابرين وإمام العابدين الذي يشكر خالقه لأنه حقق مراده ففرّغه لعبادته والانقطاع لطاعته بقوله : « اللهم إنك تعلم أني كنت
__________________
(١) البداية والنهاية ١٠ : ١٩٧ ، تاريخ بغداد ١٣ : ٣٣ ، نور الأبصار / الشبلنجي : ٢٠٤ ، إسعاف الراغبين / ابن الصبان : ٢٤٨ ، تذكرة الخواص : ٣٦٠ ، الفصول المهمة : ٢٢٢ ، الكامل في التاريخ ٦ : ١٦٤ ، سير أعلام النبلاء ٦ : ٢٧٣.