المُقدَّمةُ
الحمد لله ربّ العالمين ، وسلامه على عباده الذين اصطفى محمد وآله خير الورى.
إنّ الإمام موسى بن جعفر عليهماالسلام من قمم الروح والفكر والجهاد ، وصفحات حياته مليئة بالعبر والمظاهر الفذّة التي تمتلك القلوب وتستولي على المشاعر ، فلقد أوتي أروع قيم الكمال وأرفع معالي الأخلاق وأجلّ مظاهر العظمة التي طبعت شخصيته الكريمة وميزتها عن سائر من عاصره في العبادة وغزارة العلم والحكمة والبلاغة والحلم والزهد والكرم والشجاعة والتقوى والخلق الرفيع ، فكان رمزاً لقيم الفضيلة وشيم المروءة وقدوةً صالحة للإنسانية ، ممّا جعله يمتلك أزمّة القلوب ويحظى بمحبة الناس على اختلاف مشاربهم ، ويعترف له بالتقدم بالعلم والفضل حتى أعدائه ، فقد ورد عن الرشيد أنه قال للمأمون : يا بُني ، هذا وارث علم النبيّين ، هذا موسى بن جعفر بن محمّد ، إن أردت العلم الصحيح فعند هذا (١).
وللإمام الكاظم عليهالسلام دور فاعل في الحياة الإسلامية وانفتاح على الواقع الإسلامي كله ، فهو إزاء تصرفات حكام زمانه الذين أمعنوا في اضطهاده والتنكيل به ، ركّز جهوده في المضمار العلمي والمعرفي بعيداً عن التدخل في شؤون البلاط ورجاله.
من هنا عاش هذه المرحلة ، واستطاع أن يملأها علماً وفكراً وروحانيةً ،
__________________
(١) أمالي الصدوق : ٣٠٧ / ١ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ٩٣ / ١٢.