مدة فأطلقه. ثم جمع له الرشيد الفقهاء لنقض أمانه غير أنهم صرحوا بأن الأمان مؤكد لا شائبة فيه ، عدا أبي البختري وهب بن وهب الذي أفتى بما يريد الرشيد فقال : هذا باطل منتقض ، اقتله ودمه في عنقي. وأخذ سكيناً وجعل يشقّ الأمان ، فوهب الرشيد لأبي البختري ألف ألف وستمائة ألف ، وولاه القضاء ، وجعل يحيى في سرداب ووكل به مسروراً الكبير ، وكان كثيراً ما يدعو به إليه فيناظره ، واستمر على هذا الحال إلى أن مات في حبسه نحو سنة ( ١٨٠ ه ).
واختلف المؤرخون في كيفية وفاته والراجح أنه قتل بالجوع والعطش والتعذيب ، وعن إبراهيم بن رياح : أنه بنى عليه اسطوانة بالرافقة وهو حي. وعن علي بن محمد بن سليمان : أنه دس إليه في الليل من خنقه حتى تلف. قال : وبلغني أنه سقاه سماً. وعن محمد بن أبي الخنساء : أنه أجاع السباع ثم ألقاه إليها فأكلته ، وكل جائز في أعراف القتل التي تمارسها الدولة (١).
إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى ابن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهمالسلام ، مؤسس دولة الأدارسة في المغرب وإليه نسبتها ، كان أولاً مع الحسين صاحب فخ ّ في المدينة أيام ثورته على الهادي العباسي سنة ( ١٦٩ ه ) ، وأفلت من وقعة فخ فتوجه صوب مصر مع راشد مولاه وأمينه ، ومنها إلى سائر بلدان المغرب الأقصى ، فدخل فاس وطنجة ونزل مدينة وليلى على مقربة من مكناس ، ثم جمع البربر على القيام بدعوته ، وخلع طاعة بني العباس ، فتمّ له الأمر في رمضان سنة ( ١٧٢ ه ) ، فجمع جيشاً كثيفاً وخرج به غازياً فبلغ بلاد
__________________
(١) مقاتل الطالبيين : ٣١٣ ـ ٣٢٣ ، تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٠٨ ، البداية والنهاية ١٠ : ١٧٨ ، الأعلام / الزركلي ٨ : ١٥٤.