موسى الهادي وحضر مقتله ، ونجا فدعا إلى نفسه ، فبايعه كثير من أهل الحرمين واليمن ومصر ، وطاف البلدان فذهب إلى اليمن فأقام مدة ، ودخل مصر والمغرب ، وعاد إلى المشرق فدخل العراق متنكراً ، وقصد بلاد الري وخراسان فوصل إلى ما وراء النهر ، واشتد الرشيد في طلبه ، فانصرف إلى خاقان ملك الترك ومعه من شيعته وأنصاره نحو (١٧٠) رجلاً ، فأقام سنتين وستة أشهر ، وخرج إلى طبرستان فبلاد الديلم ، وأعلن بها دعوته سنة ( ١٧٦ ه ) وكثر جمعه واتبعه خلق كثير وجم غفير وقويت شوكته ، فندب الرشيد لحربه الفضل بن يحيى البرمكي في خمسين ألفاً ، وولى الرشيد الفضل بن يحيى جميع كور المشرق وخراسان وأمره بقصد يحيى والخديعة به ، وبذل له الأموال والصلة إن قبل الأمان ، فسار الفضل بن يحيى إلى تلك الناحية في أبّهة عظيمة ، وكاتب الرشيد صاحب الديلم ووعده بألف ألف درهم إن هو سهل خروج يحيى إليهم ، وكتب الفضل إلى يحيى بن عبد الله يعده ويمنيه ويؤمله ويرجيه.
لقد رأى يحيى تفرق أصحابه وسوء رأيهم فيه وكثرة خلافهم عليه ، وخاف أن يغدر به ملك الديلم ، فأجابه إلى قبول الأمان شريطة أن يكتبه الرشيد بيده ، وكتب لنفسه شروطاً وسمى شهوداً وبعث بالكتاب إلى الفضل ، فبعث به إلى الرشيد فكتب له على ما أراد وأجابه بخطه ، فشخص يحيى مع الفضل حتى وافى بغداد وتلقاه الرشيد وأجزل له في العطاء ، غير أن نفراً من أهل الحجاز (١) تحالفوا على السعاية بيحيى بن عبد الله والشهادة عليه زوراً بأنه يدعو إلى نفسه سراً ، وأنه ما زال عنده من يقوم بدعوته ، فوافق ذلك ما كان يكنّه الرشيد في نفسه ، فحبسه عند الفضل بن يحيى ، غير أن الفضل رقّ له بعد
__________________
(١) وهم : عبد الله بن مصعب الزبيري ، وأبو البختري وهب بن وهب ، ورجل من بني زهرة ، ورجل من بني مخزوم.