وفي هذا الصدد نرى السنّة الشريفة الثابتة قد بيّنت للأُمّة ـ بياناً شافياً كافياً ـ مَن هو القيّم الحقيقي بعد رسول الله صلىاللهعليهوآله على الكتاب العزيز ، الحافظ لمعانيه وأسراره المدرك لجميع مقاصده وأهدافه ، ويعلم تأويله وتنزيله ، ولا يختلف في شيء منه ، حتىٰ أنه صلىاللهعليهوآله جعل المتمسّك بالقرآن الكريم دون قيمه كاللا متمسّك به أصلاً ، الأمر الذي بيّنه حديث الثقلين الشريف بكل وضوح فقال : « إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا أبداً ، وقد أنبأني اللطيف الخبير أنّهما لن يفترقا حتىٰ يردا عليَّ الحوض ».
وفي حديث صريح آخر : « عليكم بالقرآن فإنه الشفاء النافع والدواء المبارك ، عصمة لمن تمسّك به ، ونجاة لمن اتبعه ، أتدرون من المتمسّك به.. هو الذي يأخذ القرآن وتأويله عنّا أهل البيت ».
ومن هنا كان سلمان الفارسي رضياللهعنه يصيح بالناس بعد يوم السقيفة : « انزلوا آل محمد منكم منزلة الرأس من الجسد ، لا بل منزلة العينين من الرأس ، وإذا رأيتم الفتن نحوكم كقطع الليل المظلم فعليكم بأهل بيت محمد صلىاللهعليهوآله ، فإنهم القادة وإليهم المقادة ».
وقد كانت حياة أهل البيت : حافلة بأسمى آيات التضحية والفداء من أجل إعلاء كلمة الحق وإماتة الباطل ، وقد دفعوا عليهمالسلام ضريبة مواقفهم الرسالية غالية حتىٰ كانوا بين قتيل أو مراقب أو سجين.
وهذا الكتاب ـ عزيزي القارئ ـ يبيّن بكل جلاء ووضوح كيف استطاع الإمام السابع من أئمة أهل البيت موسى بن جعفر الكاظم عليهالسلام أن يحفظ الدين الحنيف من حالات التردّي التي أصابته على أيدي السلطات الحاكمة في زمانه ، حتىٰ قدّم لذلك حياته الشريفة فداء لدين جده محمد صلىاللهعليهوآله. وفيه دراسة واعية لشخصية الإمام الكاظم عليهالسلام بأبعادها المختلفة مع استجلاء مواقفه الرسالية الخالدة على أكثر من صعيد ، آملين من الله عزّوجلّ أن يتقبّله بفضله ، ويجزل المثوبة لمؤلّفه ، وأن يحقّق الأهداف المرجوّة من ورائه. وهو الهادي إلى سواء السبيل.
مركز الرسالة