وقد انصرف هارون من الحج على طريق البصرة ، فحمل الإمام الكاظم عليهالسلام مقيداً ، وخرج على بغلين عليهما قبتان مغطاتان هو في احداهما ، ووجه مع كل واحد منهما خيلاً ، فأخذوا بواحدة على طريق البصرة والاُخرى على طريق الكوفة ، ليعمي على الناس أمره ، وكان الإمام في التي مضت إلى البصرة. فأمر المأمور أن يسلمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور ، وكان على البصرة حينئذ ، فحبسه عيسى عنده سنة ، ثم كتب إليه الرشيد في سفك دمه ، فاستشار عيسى بعض خاصته فأشاروا عليه بالتوقف عن ذلك والاستعفاء منه ، فكتب عيسى إلى هارون : قد طال أمر موسى بن جعفر ومقامه في حبسي ، وقد اختبرت حاله ووضعت عليه العيون طول هذه المدة ، فما وجدته يفتر عن العبادة ، ووضعت من يسمع منه ما يقول في دعائه ، فما دعا عليك ولا علي ولا ذكرنا في دعائه بسوء ، وما يدعو لنفسه إلاّ بالمغفرة والرحمة ، فإن أنت أنفذت إليّ من يتسلمه مني وإلاّ خليت سبيله فانني متحرج من حبسه.
وأنت تلاحظ دقة المراقبة التي تتابع الإمام عليهالسلام حتى في انقطاعه إلى ربه ودعائه الذي يقوله في صلاته ، فوجه هارون من تسلمه من عيسى وحبسه عند الفضل بن الربيع ببغداد ، فبقي محبوساً عنده مدة طويلة ، وأراده هارون على شيء من أمره فأبى.
روى الشيخ الصدوق بسنده عن الفضل بن الربيع ، قال : « قد أرسلوا إليَّ في غير مرة يأمرونني بقتله فلم أجبهم إلى ذلك ، وأعلمتهم أني لا أفعل ذلك ، ولو قتلوني ما أجبتهم إلى ما سألوني » (١).
__________________
(١) عيون أخبار الرضا ١ : ١٠٦ / ١٠ ، أمالي الصدوق : ١٣٦ / ١٨.