الإتيان بالنافلة بعد ذهاب الحمرة لا محدودية الوقت بذلك وتقييد الإطلاقات كما هو المدعى.
وثانياً : أنه لا يتم حتى على القول بالحرمة أو البناء على ارتكاب التقييد في الإطلاقات وإن قلنا بالكراهة ، وذلك لأن محل الكلام هو تحديد الوقت في حدّ ذاته وبعنوانه الأولي ، وأما المنع بالعنوان الثانوي العارضي فهو أمر آخر لا ربط له بمحل البحث ، ضرورة وضوح الفرق بين انقضاء الوقت بسقوط الحمرة وبين عدم جواز النافلة لمكان المزاحمة.
وتظهر الثمرة فيما لو استحب تأخير الفريضة عن أول وقت الفضيلة إما لانتظار الجماعة أو لاستكمال الأذان أو لأمر آخر ، فاذا كان الفصل بين ذهاب الحمرة وبين انعقاد الجماعة مثلا الذي مبدؤه قول المقيم : قد قامت الصلاة ، بمقدار يسع للإتيان بالنافلة ، ساغ بعنوان الأداء على الثاني دون الأول.
خامسها : أن جملة من النصوص قد نطقت بأن المفيض من عرفات إذا صلى المغرب بالمزدلفة أخّر النافلة إلى ما بعد العشاء (١) ، بدعوى أنّ الوجه في هذا التأخير إنما هو انقضاء الوقت ، إذ لو كان ممتداً لوقعت في وقتها على التقديرين فما هو الموجب للتأخير.
ويندفع : بمنع ذلك ، ومن الجائز أن يكون الوجه في التأخير المزبور التحفظ عن التطوع في وقت الفريضة ، حيث إن الغالب وصول المفيض إلى المزدلفة بعد ذهاب الحمرة المغربية ، إذ المسافة بينها وبين عرفات ما يقارب الفرسخين فتستوعب من الوقت هذا المقدار بطبيعة الحال ، فلا جرم تقع النافلة في وقت فريضة العشاء لو قدّمها عليها.
ويكشف عما ذكرناه بوضوح : صحيحة أبان بن تغلب قال : « صليت خلف أبي عبد الله عليهالسلام المغرب بالمزدلفة فقام فصلى المغرب ثم صلى العشاء الآخرة ولم يركع فيما بينهما ، ثم صليت خلفه بعد ذلك سنة فلما صلى المغرب قام
__________________
(١) الوسائل ١٤ : ١٤ / أبواب الوقوف بالمشعر ب ٦.