فيما إذا كان للشمس طلوع وغروب معيّن ، وليس كذلك قطعاً ، بل هي لا تزال في طلوع وغروب وزوال في مختلف الأقطار ونقاط الأرض بمقتضى كرؤيتها ، ومقتضى ذلك الالتزام بكراهة النافلة في جميع الأوقات والساعات ، وهو كما ترى. فهذا التعليل أشبه بمجعولات المخالفين ومفتعلاتهم المستنكرين للصلاة في هذه الأوقات ، فعلّلوا ما يرتأونه من الكراهة بهذا التعليل العليل. ولأجله لم يكن بدّ من حمل الصحيحة وما بمعناها على التقية ، فلا موقع للاستدلال بها بوجه.
وثانياً : مع التسليم فالتعليل المزبور لا يكون مانعاً عن الصلاة في ذينك الوقتين ، بل هو مؤكد ومؤيد ، لأنها أحسن شيء يوجب إرغام أنف الشيطان في هذه الحالة كما يشير إلى هذا المعنى ما رواه الصدوق في إكمال الدين وإتمام النعمة عن مشايخه الأربعة وهم : محمد بن أحمد السناني ، وعلي بن أحمد بن محمد الدقاق ، والحسين بن إبراهيم المؤدب ، وعلي بن عبد الله الوراق ، عن أبي الحسين محمد بن جعفر الأسدي أنه ورد عليه فيما ورد عليه من جواب مسائله عن محمد بن عثمان العمري ( قدس الله روحه ) : « وأما ما سألت عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فلئن كان كما يقول الناس إن الشمس تطلع بين قرني شيطان وتغرب بين قرني شيطان ، فما أرغم أنف الشيطان بشيء أفضل من الصلاة فصلّها وأرغم أنف الشيطان » (١).
وهذه الرواية وإن لم تعد من الصحاح حسب الاصطلاح ، إذ لم يوثق أيّ أحد من المشايخ الأربعة المذكورين ، الا أن رواية كل واحد منهم ما يرويه الآخر بعد عدم احتمال المواطاة على الجعل يورث الاطمئنان القوي بصحة النقل ، فيتعاضد بعضها ببعض ، وهي كالصريح في أن الصحيحة السابقة المشتملة على التعليل وكذا غيرها مما يجري مجراها قد صدرت تقية ، وأنه لا أساس لتلك الدعوى الكاذبة ، ومن ثم رجّحها الصدوق عليها.
__________________
(١) الوسائل ٤ : ٢٣٦ / أبواب المواقيت ب ٣٨ ح ٨ ، إكمال الدين ٢ : ٥٢٠ / ٤٩.