كذلك تجعلها بسملةً لنفسها ، كالدرهم الواحد في أحد نصب الزكاة ، فإنّه كما يصدق أنَّه زكاة لما انضمَّ اليه ، كذلك يصدق أنَّه زكاة لنفسه ، ولكن لا يخلو من خدش وتأمّل. أو نمنع الدور والتسلسل بانقطاع السلسلة ولو بانتهائها إليها ؛ لأنّ ما يوجد بالغير لا بدّ أنْ ينتهي إلى الموجود بالذات كوجود الأشياء المنتهى إلى وجود الواجب بنفسه ، ودسومة الأشياء المنتهية إلى دسومة الدسم بالذات ، وإليه الإشارة بقوله تعالى ( وَأَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى ) (١).
وحينئذٍ فابتداء غير البسملة بها ، وابتداؤها بها. ونظيره قول الصادق عليهالسلام : « خَلَقَ اللهُ المَشِيئةَ بِنَفْسِها ثَمّ خَلَقَ الخَلْقَ بِالمَشِيئَةِ » (٢) على بعض الوجوه في الحديث.
ثمّ إنّ الشّائع على ألسنةِ أصحابنا في هذا المقام هو الاستدلال بالخبر المشهور : « كلّ أمر ذي بالٍ لم يبدأ فيه بِبِسْمِ الله فهو أبتر » (٣).
وهو بهذا اللفظ غير وارد من طرقنا ولا موجود في شيء من كتب أخبارنا ، وإنّما هو من الأخبار العاميّة ، أخرجه المدني وابن مسعود والرهاوي عن أبي هريرة (٤) ، ولعلّه بناءً منهم على ما اشتهر بينهم من التسامح في أدلّة السنن.
وحيث اشتمل على لفظ الابتداء وقعوا في الإشكالين المشهورين ؛ من معارضته بحديث الابتداء بالحمدلة الذي أخرجه أبو داود والنسائي عن أبي هريرة عنه صلىاللهعليهوآله (٥) ، ومحالية الابتداء بالبسملة ؛ ضرورة أنَّ الابتداء إنّما هو بالباء فقط ، وسيأتي الجوابُ عن الأول في الكلام على التحميد.
وأمّا الجواب عن الثاني فبما قيل من تنزيل البسملة منزلة البسيط الخالي عن شائبة التركيب ، فيلزم من الابتداء بشيء منه الابتداء به بكماله ؛ وذلك لأنّ الكلّ كما تُلاحظ معه أجزاؤه كذا قد يلاحظ شيئاً واحداً مع قطع النظر عن أجزائه ، وتصير
__________________
(١) النجم : ٤٢.
(٢) الكافي ١ : ١١٠ / ٤ ، التوحيد : ١٤٨ / ١٩ ، وفيهما : « خلق الأشياء » بدل « خلق الخلق ».
(٣) تفسير الكشّاف ١ : ٣ ٤.
(٤) الدر المنثور ١ : ٣١ ، وفيه : ( أقطع ) بدل : ( أبتر ).
(٥) الدر المنثور ١ : ٣٥ ، كنز العمال ١ : ٥٥٩ / ٢٥١١.