الاشتراك اللفظي بين الثلاثة الأُوَل ، محتجّين بتدوينها في الكتب اللُّغَوية بضميمة أنّهم لا يذكرون فيها إلّا المعاني الحقيقية وهو مردود بأنّهم كثيراً ما يذكرون المعاني المجازية ؛ لأنّ الغرض من تدوين تلك الكتب بيان ما استعمل فيه اللفظ من المعاني الحقيقيّة والمجازيّة.
وذهب جمع من محقّقي المتأخّرين إلى أنّها حقيقة في القدر المشترك بين الثلاثة الأُوَل وهو العطف والرأفة. فالعطف بالنسبة إلى الله الرحمة ، وبالنسبة إلى الملائكة الاستغفار والتزكية ، وبالنسبة إلى الناس الدعاء ؛ لاستلزام قول الأكثر الاشتراك الذي الأصل عدمه والمجاز خير منه ، ولأنَّه لم يعهد في العربية فعل يختلف معناه باختلاف المسند إليه إسناداً حقيقيّا ، ولأنّ فعل الرحمة متعدٍّ ، وفعل الصلاة قاصر ولا يُفسَّر بالمتعدّي القاصر ، ولأنّ حقّ المترادفين صحَّة حلول كلٍّ منهما محلّ الآخر ، مع أنّه لو قيل مكان ( صلّى عليه ) : ( دعا عليه ) انعكس المعنى.
والحقّ أنَّ أكثر هذه الوجوه ، أو كلَّها لا يخلو من نظر ؛ لإمكان المناقشة في الأوّل بما مرّ.
وفي الثاني بمنع كون الإسناد هنا حقيقيّا بالنسبة إلى الله والملائكة. ولا ريب في اختلاف المعنى باختلاف المسند إليه في الإسناد المجازي كما يعترف به الخصم ، كما في قوله تعالى ( أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ ) (١) ؛ لاختلاف معنى السجود باختلاف الساجدين ، ولا فرق بين الصلاة والسجود.
وفي الثالث بالنقض بـ ( مررتُ بزيدٍ ) فإنّه قاصر ، مع تفسيرهم له بـ ( جاوزت ) وهو متعدٍّ.
وفي الرابع بالتزام صحّة حلول ( دعا ) مكان ( صلّى ) فإنَّ معنى ( صلى عليه ) : ( صلّى له ) ، ولا ريب في صحّة ( دعا له ) ، وإنّما عُدّي ( صلّى ) بـ ( على ) ؛ لإشرابه معنى
__________________
(١) الحجّ : ١٨.