نفسه بلغ إسماع القريب الصحيح السمع ، وهو من الجهر ، بخلاف الجهر ، ثالثاً.
وبكونه فرداً خفيّاً لو سلّم وجوده فلا ينصرف الإطلاق إليه ، لوجوب حمل كلام الشارع على الفرد الشائع الذائع ؛ لحضوره في الذهن في أوّل وهلة ، بخلاف الوسط الجهري ؛ لكونه مشهوراً مألوفاً ، رابعاً.
وبأنّ المنساق إلى الفهم من قولنا لزيد : ( لا ترفع صوتك ولا تخفِه ) إنّما هو الأمر بالجهر الوسط لا غير ، خامساً.
وبأنّه لو سلّم إمكان وجوده بالقسمة العقليّة من أنّ كلّ ذي طرفين فله وسط ، إلّا إنّ العرف يقطع بعدم الوسط في مثله ، ولهذا لا تكاد تسمع إخفاتاً وسطاً ، إذْ ليس في الأصوات إلّا ما يسمع الإنسان نفسه ، وما يسمع القريب الصحيح السمع ، وما بينهما تقصر العبارة عن تحديده ، بل لا يتعقّل إلّا بالفرض العقلي.
وما تشتمل عليه القسمة العقلية الفرضيّة لا يلزم وقوعه واندراجه في أفراد الموجودات الخارجية ، وله أمثلة كثيرة في علوم كثيرة ، فالوسط الحقيقي حينئذ مستحيل ، سادساً.
وللنصّ (١) والإجماع (٢) على بطلان الصلاة ممّن لم يُسمع نفسه في الإخفات ، سابعاً.
وأما قوله تعالى ( فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ ) (٣) حيث صدق الإخفات على إسماع الغير فهو محمول على ما كان الغير أقرب للسمع من النفس ؛ لقربه من هواء الحرف بوضع الأُذن في فم المتكلّم ، وانحراف أُذنه عن فمه ؛ لأنّه الفرد الشائع في المخافتة والمسارّة للغير.
فإن قيل : قد روى الكليني رحمهالله صحيحاً عن علي بن جعفر ، عن أخيه عليهالسلام ، قال : سألته عن الرجل يصلح له أن يقرأ في صلاته ويحرّك لسانه بالقراءة في لهواته من غير أن يُسمع نفسه؟ قال : « لا بأس ألّا يحرّك لسانه ، يتوهّم توهّماً » (٤).
__________________
(١) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٦ ، و: ٣١٥ / ٢١ ، الوسائل ٦ : ٩٦ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٣٣ ، ح ، ١ ، ٢.
(٢) التذكرة ٣ : ١٥٤ ، الجواهر ٩ : ٣٧٦.
(٣) القلم : ٢٣.
(٤) التهذيب ٢ : ٩٧ / ٣٦٥ ، الإستبصار ١ : ٣٢١ / ١١٩٦ ، الوسائل ٦ : ٩٧ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٣٣ ،