وروى الحِمْيَري في ( قرب الإسناد ) ، عنه أيضاً ، عن أخيه عليهالسلام ، أنّه سأل عن الرجل يقرأ في صلاته ، هل يجزيه أن لا يحرّك لسانه ، وأن يتوهّم توهّماً؟ قال : « لا بأس » (١).
وهما دالّان على أنَّ أدنى الإخفات حديث النفس ، ووسطه إسماعها ، وأعلاه إسماع القريب الصحيح السمع.
قلتُ : لا نسلِّم أنَّ حديث النفس أحد أقسام الإخفات ، بل الذي دلّ عليه متكاثر الأخبار وكلام العلماء الأبرار أنّ ما لا يُسمع المرء نفسه من تصوّر الألفاظ في الذهن لا يسمّى كلاماً ، فضلاً عن وصفه بالإخفات ؛ لوجوه :
الأوّل : دلالة الأخبار على أنّ أقلّه المجزي إسماع النفس لا حديثها ، لخلوّه عن التصوّر ، ففي صحيح زرارة عن الباقر عليهالسلام : « لا يُكتب من القرآن والدعاء إلّا ما أسمع نفسه » (٢). وفي صحيح الحلبي عن الصادق عليهالسلام : هل يقرأ الرجل في صلاته وثوبه على فيه؟ قال عليهالسلام : « لا بأس بذلك إذا أسمع أُذنيه الهمهمة » (٣).
الثاني : نقل علّامة ( المنتهى ) (٤) ، ومحقّق ( المعتبر ) (٥) الإجماع على أنّ الإخفات أن يُسمع نفسه لو كان سامعاً ، وما لا يُسمعها لا يسمّى كلاماً ولا قراءة. ونحوه عن ( التذكرة ) (٦) ، و ( البيان ) (٧) ، و ( السرائر ) (٨) ، وغيرها. وأنّ أعلى الإخفات أن تسمع أذناك القراءة ، وليس له حدّ أدنى ، بل إن لم تسمع أذناه القراءة فلا صلاة له ، وإن سَمِعَ مَنْ على يمينه أو شمالاً صار جهراً.
والإنصاف : أنَّه إن ثبت فيهما مراد شرعي فهو ، وإلّا كان مدارهما على العرف العام ، كما اختاره غير واحد من الأعلام.
الثالث : أنَّ الإخفات وصف للصوت ، ففي الدعاء : « وَهُوَ يَدعُوكَ بصَوْتٍ حَائِلٍ
__________________
ح ٥. ورد مثله في الكافي ٣ : ٣١٥ / ١٥.
(١) قرب الإسناد : ٢٠٣ / ٧٨٥.
(٢) الكافي ٣ : ٣١٣ / ٦ ، الوسائل ٦ : ٩٦ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٣٣ ، ح ١.
(٣) التهذيب ٢ : ٩٧ / ٣٦٤ ، الوسائل ٦ : ٩٧ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٣٣ ، ح ٤.
(٤) المنتهى ١ : ٢٧٧.
(٥) المعتبر ٢ : ١٧٧.
(٦) التذكرة ٣ : ١٥٤. (٧) البيان : ١٥٨.
(٨) السرائر ١ : ٢٢٣.