خَفِيٍّ » (١). ونمنع حصول صوت لا يمكن سماعه ؛ لأنّ الصوت هو الكيفيّة المتموّجة بالهواء ، الحامل له إلى سماع الأُذن ، إمّا بالقرع أو القلع ، على اختلاف الرأيين (٢).
فظهر أنّ حديث النفس ليس قسماً للإخفات ؛ لدخوله في حيّز العدم ، وإنّما اكتفي به لضرورة التقيّة ، وذلك أنَّه مخاطب بالصلاة معهم وبالقراءة لنفسه ، فلو أسمعها أفضى إلى الضرر الواجب دفعه ، فجُعِل حكمه الاكتفاء بمثل حديثها تفضّلاً من المولى على مولاه ؛ دفعاً للحرج المنفي آيةً (٣) وروايةً (٤) ؛ ولدخولهما في عموم قوله عليهالسلام : « إذا أمرتم بشيء فأتوا منه بما استطعتم » (٥) إذ « لا يسقط الميسور بالمعسور » (٦).
وإطلاق الخبرين مقيّد بالتقيّة ، حملاً للمطلق على المقيّد.
والمستند ما رواه الشيخ صحيحاً عن علي بن يقطين ، قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن رجل يصلّي خلف مَنْ لا يُقتدى بصلاته ، والإمام يجهر بالقراءة؟ قال : « اقرأ لنفسك وإن لم تُسمِع نَفسك فلا بأس » (٧) ، ومرسلاً عن محمّد بن أبي حمزة ، عمّن ذكره ، عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : « يُجزيك من القراءة معهم مثل حديث النفس » (٨).
فظهر أنّ حديث النفس ليس قسماً للإخفات مستمراً في جميع الأوقات ، وإنّما هو قضية في واقعة ؛ تفضّلاً من ربّ السماوات ؛ دفعاً للضرر المتوقّع من أولئك الطغام الطغاة.
فإن قيل : إنّ كلّ شيئين حكم بالتغاير بينهما فلا بدّ من جهة امتياز لكلّ واحد منهما عن الآخر ، وإلّا لما كانا اثنين.
قلنا : إنَّ المراد من الوسط المنفي للإخفات فرد وسط في القوّة والضعف بين فردين أحدهما قويّ والآخر ضعيف ، لا الوسط الذي هو الاعتبار الذهني للشيئين
__________________
(١) الصحيفة السجّاديّة : ٧٧ / دعاؤه في الاعتراف وطلب التوبة.
(٢) الأسفار الأربعة ٤ : ٩٧ ٩٨. (٣) الحجّ : ٧٨.
(٤) التهذيب ٣ : ٣٠٦ / ٩٤٤ ، الوسائل ٥ : ٤٨٢ ، أبواب القيام ، ب ١ ، ح ٥.
(٥) غوالي ٤ : ٥٨ / ٢٠٦ ، وفيه : ( بأمر ) ، بدل : ( بشيء ).
(٦) غوالي ٤ : ٥٨ / ٢٠٥ ، وفيه : « لا يترك الميسور بالمعسور ».
(٧) التهذيب ٣ : ٣٦ / ١٢٩ ، الوسائل ٦ : ١٢٧ ١٢٨ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٥٢ ، ح ١.
(٨) التهذيب ٢ : ٩٧ ـ ٩٨ / ٣٦٦ ، الوسائل ٦ : ١٢٨ ، أبواب القراءة في الصلاة ، ب ٥٢ ، ح ٣.