كَمَنْ كانَ فِي النَّزْعِ » (١).
ولا منافاة بين هذا الخبر الدالّ على النقصان بالطعْن في أحد وأربعين ، وبين الخبر الدالّ على الزيادة من بعد الأربعين وكمالها بكمال السّتين ؛ لأنّ المراد بالنقصِ النقصُ في الزيادة البدنيّة ، وبالزيادة زيادة القوّة العقليّة بحسب البصيرة في الأُمور الأخروية ؛ لأنّه إذا اعتبر بنقص البُنْية البدنيّة دلّه على نقص التنعّمات الدنيويّة ، فيستعدّ لتحصيل الزاد يوم المعاد لتهيئته للرَّحيل للسّفر الطويل.
ويرشد إليه قولُه : « وينبغي لصاحبِ الخمسين أنْ يكون كَمَنْ في حالِ النَّزعِ ». فإنّ مَنْ كان في النزع تنكشفُ له الأُمورُ الغيبيّة ، فتحصلُ له البصيرة اليقينيّة بما يستحقّهُ من الدرجات العليَّة أو الدركات السّفليّة ، فيندمُ حيث لا ينفعُهُ النّدم على زلّة القدم ، وإليه الإشارةُ بقوله ( فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) (٢) ؛ لانكشافِ الغواشي الظلمانيّة ، عن مرآة القوة العقلانيّة واللطيفة الروحانيّة. نسألُهُ سبحانه التوفيقَ للاستعداد وسلوك طريق السّداد.
وأمّا قولُه ـ سلّمه الله تعالى ـ : ( أم هو والإيمان سيّان في كلّ إنسان ).
فالجواب عنه يعرفُ من الجواب عن سابقه ، وهو أنّ العقل والإيمان متغايران لا سيّان ، بل إنّ العقل يكون سبباً في ازدياد مراتب الإيمان بحسب العرفان ، كما هو ظاهرُ قوله : « العقلُ ما عُبِدَ بِه الرّحْمنُ ، واكتُسِبَ بِه الجِنانُ » (٣).
وحيث قد أسأنا الأدبَ بالإبطاء بجوابِ السائلِ ؛ لكثرةِ الشواغل ، فلنقتصر من العجالة على هذا القليل وإنْ كان المقام حريّا بالتطويل. وأسألُ الله أنْ ينتفعَ به السائل وأمثالَهُ من المؤمنين والإخوان الصالحين ، وأنْ يعاملني بالعفوِ عن زلّة القدم وَهَفْوَةِ القلم ، إنّه غفورٌ رحيم وتوّابٌ كريم.
__________________
(١) نسخة « ب » والمصدر.
(٢) ق : ٢٢.
(٣) الكافي ١ : ١١ / ٣ ، معاني الأخبار : ٢٣٩ ٢٤٠ ، المحاسن ١ : ٣١٠ / ١٥.