فقال : « ما من أحدٍ يرتكب كبيرة من المعاصي وهو يعلم أنّه سيعاقب عليها إلّا ندم على ما ارتكب ، ومتى ندم كان تائباً مستحقّاً للشفاعة ، ومتى لم يندم عليها كان مصرّاً ، والمُصرُّ لا يُغفر له ؛ لأنّه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب ، ولو كان مؤمناً بالعقوبة لندم ، وقد قال النبيّ صلىاللهعليهوآله : لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار. وأمّا قولُ الله عزوجل : ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلّا لِمَنِ ارْتَضى ) ، فإنّهم لا يشفعون إلّا لمَن ارتضى اللهُ دينَه ، والدّينُ الإِقرار بالجزاء على الحسنات والسيئات ، فمن ارتضى دينه ندم على ما ارتكبه من الذنوب ؛ لمعرفته بمعاقبته في القيامة » (١) انتهى. وهو كافٍ في الجواب عن الإشكالين الموقعين في الارتياب.
نعم ، قد ينافي قوله عليهالسلام فيه : « فمن لم يندم على ذنبٍ يرتكبه فليس بمؤمن » ... إلى آخره ، ما مرّ من ثبوت الإيمان لمرتكب الكبائر ، كما ينافيه أيضاً ما في الخبر النبويّ : « لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن » ... (٢) إلى آخره.
والجواب عن الأوّل بحمله على حال الاستحلال ؛ لدلالة تعليله عليهالسلام ذلك بقوله : « لأنّه غير مؤمن بعقوبة ما ارتكب » على زوال اعتقاده التحريم وعدم تصديقه بما أتى به النبيّ الكريم.
وبه يحصل الجواب عن الخبر النبويّ أيضاً ، كحمله أيضاً على نفي الإيمان بأحد أفراده الخاصة الكاملة ، لا بالمعنى الشامل للفاسق بالجوارح مع صحّة اعتقاداته الفاضلة. أو على أنّ معنى « وهو مؤمن » أنّه ذو أمن من عذابه ، بل إنّ المؤمن يرتكب المحرّم مع اعتقاد تحريمه ، واستحقاق تأثيمه وتأليمه وإنْ غلب سلطان الهوى والشهوة النفسانيّة على القوّة العقلانيّة ، على نحو ما في الدعاء المشهور : « إلهي لَمْ أعصِكَ حين عَصَيتُكَ ، وأَنا بِربوبيّتك جاحِدٌ ، ولا بأمْرِكَ مُستخفٌّ ، ولا لعُقُوبتك متعرّضٌ وَلَا [ لِوَعِيدِكَ ] (٣) مُتهاونٌ ، ولكن خطيئةٌ عرضت لي (٤) وسوّلت لي نفسي وغلبني هواي » (٥). ونحوه
__________________
(١) التفسير الصافي ٣ : ٣٣٦ ٣٣٧ ، التوحيد : ٤٠٧ ٤٠٨ / ٦ ، بتفاوتٍ فيهما.
(٢) الخصال ٢ : ٦٠٨ / ٩ ، عيون أخبار الرضا عليهالسلام ٢ : ١٢٥ / ١ ، البحار ١٠ : ٣٥٧ / ١.
(٣) ] في المخطوط : ( بوعيدك ) ، وما أثبتناه من المصدر.
(٤) لا توجد في المصدر : ( لي ).
(٥) إقبال الأعمال : ٧١ ٧٢ ، بحار الأنوار ٩٥ : ٨٨.