وأمّا الثاني فلأنّ الصغيرة ذنبٌ موجبٌ لدخول النار ، ولأنّه عصيانٌ للملك القهّار ، كما في الخبر : « لا تنظر إلى ذنبك ولكن انظر إلى مَنْ عصيت » (١) ، ولأنّه « لا صغيرة مع الإِصرار ، كما لا كبيرة مع الاستغفار » (٢).
والجواب عن الثاني : بالمنع ؛ لدلالة الأخبار الكثيرة في تفسيرها بمَنِ ارتضى دينه لا مَنْ ارتضى فعله ، فيدخل الفاسق المؤمن وإِنْ ارتكب الكبائر ؛ لأنّ الإيمان بالمعنى العام هو التصديق بالله ورسوله وجميع ما جاء به ، وليست الأعمال الصالحة جزءاً منه كما هو المشهور في معناه ؛ لتكثّر عطف الأعمال عليه في الكتاب العزيز (٣) ، مع أنّ العطف يقتضي المغايرة.
ففي ( الصافي ) نقلاً من ( العيون ) عن الرضا عليهالسلام في تفسيرها : « إلّا لمن ارتضى الله دينه » (٤).
وعن توحيد الصدوق عن الكاظم ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، قال : « إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من أُمّتي ، فأمّا المُحسنون منهم فما عليهم من سبيل ». قيل : يا ابن رسول الله ، كيف تكون الشفاعة لأهل الكبائر والله تعالى يقول : ( وَلا يَشْفَعُونَ إِلّا لِمَنِ ارْتَضى ) (٥) ، ومَنْ يرتكب الكبيرة لا يكونُ مرتضىً؟.
فقال : « ما من مؤمن يرتكب ذنباً إلّا ساءه ذلك وندم عليه ، وقال النبيّ صلىاللهعليهوآله : كفى بالندم توبةً. وقال صلىاللهعليهوآله : مَنْ سرّته حسنة وساءته سيئة فهو مؤمن ، فمن لم يندم على ذنبٍ يرتكبُهُ فليس بمؤمن ولم تجب له الشفاعة ، وكان ظالماً ، والله تعالى ذكره بقوله : ( ما لِلظّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ ) (٦) ».
فقيل له : يا ابن رسول الله ، وكيف لا يكون مؤمناً مَنْ لم يندم على ذنبٍ يرتكبه؟.
__________________
(١) البحار ٧٥ : ٤٥٢ / ٢٠ ، باختلاف.
(٢) البحار ٧٥ : ٤٥٢ / ٢٠ ، باختلاف.
(٣) انظر البقرة : ٢٥ ، ٨٢ ، النساء : ٥٧ ، ١٢٢ ، المائدة : ٩٣ ، الكهف : ١٠٧.
(٤) عيون أخبار الرضا عليهالسلام ١ : ١٣٧ ١٣٨.
(٥) الأنبياء : ٢٨.
(٦) غافر : ١٨.