وحاصل الجوابُ الأوّل يرجع لمنع بعض المقدّمات ومنع الحصر ؛ لبقاء الفسقة من المؤمنين بالمعنى الأعم وإنْ ارتكبوا الكبائر وقارفوا المآثم.
وهذه الكلماتُ القليلة لو حصل فيها اعتلال أو اختلال لضيق المجال ، لم يقدح ذلك في جميع الفقرات المودعة في جواب ذلك السؤال ، بل يلزم المراجعة لأصل الجواب لو حصل استشكال.
ثم أوردتم في كتابكم الثاني ما حاصله : أنّ انتفاء موضوع الشفاعة لم يرتفع عنه الإشكال بناءً على فهمكم منه نفي الإيمان على المصرّ على الصغائر ، فأوْلى منه مرتكب الكبائر ، فأجبناكم بإثبات الإِيمان بالمعنى الأعم لمرتكب الكبائر ، فضلاً عن مرتكب الصغائر. ومنع ما استفدتموه من الجواب من نفي الإيمان بكلّ لفظ صريح وظاهر ، بل أجبنا بإثبات الإيمان الأعمّ لذينك الصنفين ، وإنّ حمل الآيتين على غير المؤمنين إنّما هو لردّ استدلال الوعيديّين. ثم طالبناكم بتبيين موضع الدلالة على فهمكم من الجواب نفي الإيمان عن المذكورين ؛ ولهذا قلتم في هذا الكتاب الثالث : لا كلام في ثبوت الإيمان لمنتحل الولاية وإنْ أصرّ على الصغائر ، أو ارتكب الكبائر.
نعم ، تركنا المناقشة لكم في موضعين حملاً لكم على أحسن الوجوه ، وصوناً لكلامكم عن المين :
الأوّل : قولكم : ( وإنّ غير المصرّ والمرتكب الكبائر من المحسنين ) ، مع مخالفته لظاهر مبدأ الاشتقاق ؛ إذ المراد بالمحسن حقيقة المتلبّس بالإحسان ، أو الفعل الحسن. ولا ريب أنّ مباشر الذنب وإنْ اجتنب الكبائر لا يصدق عليه أنّه محسن بالمعنى المذكور ؛ إذ الإحسان من الأُمور الوجوديّة ، فلا يكفي في ثبوته الأُمور العدميّة مع التلبّس بالهيئات غير المرضيّة.
الثاني : قولكم : ( والله جلّ وعلا يقولُ ولا سبيل على المحسنين مع أنّ لفظ الآية الشريفة والله العالم ـ ( ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ ) (١) ، وإنْ تضمّن لفظكم معنى كلام
__________________
(١) التوبة : ٩١.