قدّمناه من إثبات الإيمان بالمعنى الأعم لهما ، الذي أقلّه الاتصاف بالتدين بدين الإسلام ، وقد قال تعالى ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ ) (١) ، ومن استيفاء الحديث الشريف ، وما عقّبناه به من المقال ، لظهوره في أنّ قوله عليهالسلام : « فمن لم يندم على ذنبٍ يَرْتكبُهُ فليس بمؤمن » ، في أنّه كناية عن اعتقاد الاستحلال ، كما هو مقتضى القضية الشرطية الظاهرة في اللزوميّة لا الاتفاقيّة ، وفي أنّ عدم الندم لازمٌ لعدم الإيمان بمعنى التصديق والإذعان اللازم للاستحلال ، كما يقتضيه التدبّر في الخبر الكاظمي في قوله ، فقيل له : يا ابن رسول الله ، وكيف لا يكون مؤمناً مَنْ لم يندمْ على ذنب يرتكبه؟. فقال عليهالسلام : « ما من أحدٍ يرتكبُ كبيرةً من المعاصي وهو يعلم أنّه سُيعاقب عليها إلّا ندمَ على ما ارتكب ، ومتى ندِمَ كان تائباً مستحقّاً للشفاعة ، ومتى لم يندم عليها كان مصرّاً ، والمصرّ لا يُغفر له ؛ لأنّه غيرُ مؤمن بعقوبة ما ارتكب ، ولو كان مؤمناً بالعقوبة لندم » .. (٢) إلى آخره.
وكلُّ هذه الفقرات ظاهرةٌ في أنّ عدم الندم من لوازم الاستحلال وعدم التصديق بالعقاب والنكال ، فيكونُ منكراً لضروري الدّين العال ، وفي أنّ الإيمان المنفي فيه إنّما هو الإيمان بالمعنى اللغوي ، الذي هو التصديق والإذعان (٣) ، كما في قوله تعالى ( وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا ) (٤) ، وقوله تعالى ( يُؤْمِنُ بِاللهِ ) (٥) .. إلى آخرها ، وغيرهما من الآيات والكلمات العربيّة المتعارفة عند أهل اللسان ، الحاصلة بالسّبر والوجدان.
قال سلّمه اللهُ تعالى ـ : ( ثم على القول بأنّ الحصر غيرُ حاصر ؛ لبقاء المصرّ على الصغائر ومرتكب الكبائر ، يقالُ وإنْ كان فيه شائبة العود ـ : أمع الاستحلال أم لا؟ لا سبيل إلى الأوّل ، وعلى الثاني : فإمّا أنْ يقال بتكفير مجتنب الكبائر أم لا؟ فعلى الثاني : ردّ صريح الأثر وصريح القرآن ، وعلى الأوّل : ينتفي الموضع عن البيان ).
__________________
(١) آل عمران : ١٩.
(٢) التوحيد : ٤٠٨ / ٦ ، البحار ٨ : ٣٥٢ / ١.
(٣) الصحاح ٥ : ٢٠٧١ ، لسان العرب ١ : ٢٢٤.
(٤) يوسف : ١٧.
(٥) البقرة : ٢٣٢.