أقولُ : نختار الثاني من الأوّل ، والأوّل من الثاني ، ونمنعُ انتفاء الموضع من البيان ؛ لوفاء الجواب بأنّ المصرّ على الصغائر لا مع الاستحلال ، ومرتكب الكبائر كذلك ممّن يستحقّ الشفاعة مع استحقاق العقاب ؛ لأنّها إحدى المسقطات ، كما ذكرناه في أصل الجواب. قصارى ما في الأمر أنّ المصرّ فردٌ من مرتكب الكبائر أو مشاركٌ له في حكمه وإنْ لم يكن فرداً منه ، فيرجع بالآخرة إلى أنّ موضوع الشفاعة أهل الكبائر حقيقةً أو حكماً ، بمقتضى الدليل الظاهر ، والله العالم بالسرائر.
قال سلّمه الله تعالى ـ : ( وادّعاء وفاء الجواب بأنّ المصرّ على الصغائر لا مع الاستحلال ومرتكب الكبائر كذلك ممّن يستحق الشفاعة إنْ كان دليله الكاظمي فقد عرفتم امتناعه ، وإنْ كان لغيره فبيّنوه عسى يستبين لنا كما استبنتموه ).
أقولُ : لا يخفى وفاء الخبر الكاظمي المروي بعذبه كلّ ظَمِئ بالمراد منه في هذا المجال على كلّ كَمِي (١) ، ولعل الذي أوقعكم في الإشكال وتعمية المقال حملُ قوله عليهالسلام : « فمن لم يندم على ذنبٍ يرتكبه فليس بمؤمن » على إرادة الإيمان بالمعنى الاصطلاحي ، مع قيام القرينة فيه على إرادته عليهالسلام منه المعنى اللغوي ، كما بيّنه عليهالسلام في جواب مَنْ قال له : وكيف لا يكون مؤمناً مَنْ لم يندم على ذَنْبٍ يرتكبه؟. حيث قال عليهالسلام : « ومتى لم يندم عليها كان مصرّاً والمصرّ لا يغفر له ؛ لأنّه غير مؤمن » (٢) ، أي : غير مصدّق بعقوبة ما ارتكب ، ولو كان مؤمناً أي : مصدّقاً بالعقوبة لندم ، وهو ظاهر في هذا الباب ، ناطقٌ بفصل الخطاب ، والله العالمُ بالصواب.
قال سلّمه اللهُ تعالى ـ : ( فلم يبقَ إلّا القول بالعموم ، فيدخل المرتكب والمعصوم ، وفيه ما فيه ؛ لتعارض الاعتبار والآثار فيه ، أو يقال بالعدم ، ويلزم قائله اللوم والندم ).
أقولُ : أمّا المرتكب غير المستحل فلا إشكال في دخوله في الشفاعة ، وأمّا المعصوم فخروجه بانتفاء الموضوع ظاهرٌ لأهل الصناعة.
__________________
(١) الكمي : هو الشجاع المُقدمُ الجري. لسان العرب ١٢ : ١٦٢ كمي.
(٢) التوحيد : ٤٠٧ ٤٠٨ / ٦ ، التفسير الصافي ٣ : ٣٣٦ ٣٣٧ ، البحار ٨ : ٣٥١ ٣٥٢ / ١.