سلّم فهو وجوب ظاهري لكون المقدّمة علميّة فلا ربط له بما هو معقد النزاع كما لا يخفى.
ولو سلّم (١) فهو حكم عقليّ لا يكون من مقتضيات الوضع اللغوي ليثمر في محلّ الخلاف.
ألا ترى أنّه لا ينافي شيئا من أقوال المسألة ، فيجامع القول بكون الصيغة للوجوب خاصّة أو للندب كذلك أو مشتركة بينهما لفظا أو معنى ، مع انضمام الإباحة وغيرها ممّا تقدّم إليهما فيهما أولا.
وإن كان الثاني فالسبب الداعي إلى ذلك الظنّ في كلّ أمر إن كان هو الوضع اللغوي بإزاء الوجوب نظرا إلى أصالة الحقيقة عند التجرّد عن القرينة.
ففيه : مع أنّه مصادرة بالمطلوب ، أنّ ذلك يرفع الحاجة إلى التمسّك بالقاعدة المذكورة في الحمل على الوجوب ، لكفاية أصالة الحقيقة عنها وعن نظائرها في ذلك.
وإن كان غيره ، ففيه : مع توجّه المنع إلى دعوى حصول الظنّ بالضرر في كلّ أمر على فرض انتفاء الوضع للوجوب ، أنّ ذلك أيضا وجوب جاء من قبل ذلك السبب أو من قبل العقل نظرا إلى حكمه بوجوب دفع الضرر المظنون ، فلا يكون من محلّ الخلاف في شيء ، ضرورة أنّ النزاع لم يقع في أصل الوجوب بل في كونه مفادا للوضع اللغوي ، ليثمر في موارد التجرّد عن القرائن الصارفة عن المعنى الحقيقي.
ومنها : أنّ الوجوب معنى تشتدّ الحاجة إلى التعبير عنه ، فوجب أن يوضع بإزائه لفظ مفرد يدلّ عليه ، لوجود القدرة عليه والداعي إليه وانتفاء المانع عنه ، ولا يصلح له إلاّ صيغة « افعل » لانتفاء غيرها بالإجماع ، أمّا على مذهب الخصم فلأنّه ينكر ذلك على الإطلاق ، وأمّا على ما صرنا إليه فلأنّا لا نقول به في غيرها.
وفيه : مع أنّ الندب أو الطلب أو الإباحة أيضا ممّا تشتدّ الحاجة إلى التعبير عنه ، فوجب أن يوضع له لفظ مفرد يدلّ عليه إلى آخر الدليل ، أنّ الحاجة ترتفع بوضع الصيغة للطلب مع عموم الفائدة على هذا التقدير ، أو بجعلها مشتركة على الوجوب والندب بل الإباحة أيضا لتساوي الجميع في العلّة المذكورة.
ومنها : ما دلّ على وجوب طاعة الله ورسوله والأئمّة من الآيات والروايات ، بتقريب : أنّ الطاعة هو الإتيان بالمأمور به على ما يشهد به العرف واللغة ، والمناقشة فيه بأنّ غايته إفادة دلالة « الأمر » على الوجوب بحسب الشرع دون اللغة ، مدفوعة بأصالة عدم النقل.
__________________
(١) أي ولو سلّم العموم في محلّ الخلاف بجعله أعمّ من الوجوب الظاهري والواقعي. ( منه ).