وفي المحدود نفس الصيغة ، فقد اخذ مدلول الصيغة في حدّها ولا دور فيه ، لا يكاد يجدي في دفعه نفعا ، فإنّ « الأمر » بمعنى نفس الصيغة لا يعرف إلاّ بمعرفة « الأمر » بمعنى مدلول الصيغة كما هو قضيّة التحديد ، فلو توقّف معرفة « الأمر » بمعنى مدلول الصيغة على معرفته بمعنى نفس الصيغة ـ نظرا إلى أنّ معرفة مدلول الشيء فرع معرفة ذلك الشيء ـ لزم الدور.
لا يقال : إنّ معرفة مدلول الشيء ملزومة لمعرفة نفس ذلك الشيء ، واللزوم ليس من التوقّف في شيء فلا دور ، حيث لا توقّف في إحدى المقدّمتين ، لأنّ الموقوف على الملزوم موقوف على اللازم ، ألا ترى أنّ حركة المفتاح تتوقّف على حركة اليد ، وهي ملزومة لإرادة المختار ، فالحركة موقوفة على إرادة المختار ، والمفروض أنّ اللازم الموقوف عليه هاهنا نفس الموقوف في المقدّمة الاولى ، فالدور بحاله.
هذا مضافا إلى ما اورد عليهما أيضا من قضاء التخصيص لصيغة « افعل » بخروج سائر الصيغ الموضوعة له في العربيّة وغيرها.
وعلى الأوّل خاصّة من تناوله للصيغة الصادرة على سبيل الهزل ، مع خلوّ المقام عمّا يدلّ عليه من القرائن ، فإنّها ليست بأمر في الواقع وإن اعتقده المأمور أمرا أوّلا ، وتناوله لما إذ استعملت الصيغة في غير الطلب خالية عن القرائن ثانيا.
وعلى الثاني خاصّة من أنّ « الأمر » المأخوذ في الحدّ إن كان بمعنى الصيغة فكيف يراد بالصيغة الدلالة عليه ، وإن كان غير الصيغة فكيف يفسّر بها أوّلا ، وأنّ إرادة الامتثال لا يوجب خروج الصيغة الصادرة عن المبلّغ ، إذ قد يقصد بتبليغه حصول الامتثال.
وبالجملة : لا ينبغي الارتياب في عدم انطباق شيء من تلك الحدود ـ مع فسادها باعتبارات شتّى كما عرفت ـ على شيء من موارد إطلاقات « الأمر » عرفا ولغة ، وكأنّ التحديد بها وهم نشأ عن الخلط بين معناه الأصلي الثابت له في العرف واللغة وما اصطلح عليه فيه علماء الأدب من أهل المعاني وأصحاب النحو ، حيث يطلقه الأوّلون في مقابلة النهي والاستفهام والعرض والتمنّي على صيغة « افعل » و « ليفعل » كما يطلق الآخرون فعل « الأمر » في مقابلة فعلي الماضي والمضارع على خصوص صيغة « افعل » وما شابهها ، ولا ريب أنّ الغرض الأصلي في هذا المقام ونظائره التوصّل إلى ما يتداوله العرف وينصّ عليه اللغة ليظهر ثمرته في خطابات الشرع ، ومن البيّن عدم إناطة شيء من ذلك بالامور الاصطلاحية المتجدّدة ، ولا سيّما مع العلم بورودها على خلاف العرف واللغة.