مرجوحيّة في هذا الاحتمال ، وإلاّ لكان كلّ حقيقة مرجوحة في حدّ نفسها لعموم العلّة المذكورة ، إذ ما من حقيقة إلاّ ولمعناها الموضوع له جزء أو جزئي أو لازم أو مشابه أو سبب أو مسبّب أو غير ذلك ممّا يناسبه بشيء من أنواع العلائق ، وحدانيّا أو ثنائيّا أو ثلاثيّا أو رباعيّا وهكذا ، فكونها موضوعة بإزاء ذلك المعنى يستلزم كون استعمالها في جميع تلك المذكورات مجازا فيكون مرجوحة ، وهو ممّا لم يتفوّه به أحد ، كيف وهو موجب لتعطيل أمر الوضع ، فتنهض الضرورة قاضية ببطلانه.
وبالجملة : فرق بين إرسال اللفظ ليكون مجازا في معنى ، وجعله لمعنى آخر يستلزم كون استعماله في غير ذلك المعنى ممّا هو جزء أو جزئي له ـ على تقدير وقوعه فيه ـ على طريق التجوّز ، والّذي يعدّ مرجوحا في نظر العقول موجبا على الحكيم عدم جواز إيثاره من حيث هو إنّما هو الأوّل دون الثاني ، من حيث إنّه ممّا يترتّب على فعله ترتّب اللازم على ملزومه بغتا واتّفاقا بخلاف الأوّل.
مضافا إلى فرق آخر بين المجاز على بعض التقادير والمجاز على جميعها في كون الثاني أشدّ مرجوحيّة من الأوّل كما لا يخفى.
وكأنّه إلى ذلك ينظر ما أورده بعض محقّقي المحشّين من أنّ المستدلّ له أن يقول : إنّما ثبت استعماله فيهما مطلقا وهو لا يستلزم كونه مجازا فيهما على تقدير وضعه للقدر المشترك إذا كان ذلك الاستعمال فيهما من حيث حصول الكلّي فيهما واتّحادهما معه ، وإنّما علمت الخصوصيّة عن دليل خارج ، نظرا إلى أنّ مثل هذا الاستعمال في الفرد لا يعدّ مجازا كما صرّح به المحقّقون.
وقد يقال عليه : بأنّ المرجوح إنّما هو المجاز الفعلي لا المجاز الشأني ولعلّه ناظر إلى أوّل ما أوردناه عليه.
ثمّ إنّه عن المصنّف نقل ابنه في الحاشية أنّه ذكر في الحاشية : أنّ كون استعمال اللفظ الموضوع للكلّي في خصوص الجزئي مجازا واضح عند من لا يقول بأنّ الكلّي الطبيعي موجود بعين وجود أفراده ، سواء قيل بعدم وجوده أصلا أو وجوده في ضمن الجزئي ، فعلى الأوّل يكون الاستعمال واقعا على ما يغاير الموضوع له وعلى الثاني على مجموع ما وضع له وغيره ، وأمّا على هذا القول ـ وهو كون الكلّي موجودا بعين وجود أفراده ـ فوجه (١)
__________________
(١) وفي عبارة بعض الأفاضل : أنّ المصنّف ذكر ذلك الوجه جوابا عن إشكال أورده على المجازيّة على هذا التقدير ،