ولقد عرفت شهادة العرف بخلافه ، كما يساعده ملاحظة الاستعمالات العرفيّة.
ولعلّه شبهة نشأت عن ملاحظة الانصراف الثانوي في كثير من موارد استعمالها ـ على ما عرفت بيانه ـ غفلة عن عدم منافاته تبادر ما ذكر من الإباحة بالمعنى الأعمّ أوّلا بملاحظة سبق الحظر ، كفساد الاحتجاج على إفادته أيضا بأمر الحائض والنفساء بالصلاة والصيام بعد النهي عنهما ، نظرا إلى أنّه لم يحمله أحد على غير الوجوب ، مضافا إلى قوله تعالى : ( فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ )(١) وكذا قول المولى لعبده : « اخرج من المحبس إلى المكتب » بعد نهيه عن الخروج ، حيث لا يستفاد منه عرفا إلاّ الوجوب ، لعدم منافاة شيء من ذلك لما ذكر ، من حيث استناده إلى قرينة ما ذكر من سبق الوجوب على الحظر ، مضافا إلى تعلّقه بالمنافع الآجلة أو إلى قرينة منفصلة من اجماع ونحوه ، مع أنّ الجميع منقوض بقوله تعالى : ( وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا )(٢) وقوله : ( فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَ )(٣) وقوله : ( فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ )(٤).
وأمّا ما يقال في الجواب عن الأخير من خروجه عن محلّ الكلام ، تعليلا بعدم تعلّق الأمر بعين ما تعلّق به النهي ، ففيه : ما تقدّم في تحرير المسألة.
وإلى ذلك ينظر ما قيل في ردّه : بأنّه إذا تعلّق النهي بالخروج عن المحبس شمل ذلك لجميع أفراد الخروج ومن جملتها الخروج إلى المكتب ، وإذا كان ذلك ممّا تعلّق الأمر به يندرج في موضع النزاع.
واعترض عليه : بأنّه إنّما تعلّق النهي به من حيث كونه خروجا لا من حيث كونه ذهابا إلى المكتب وهما متغايران بالذات ، وإن كان أحدهما ملازما للآخر ، والمأمور به إنّما هو الثاني دون الأوّل.
نعم لو عمّم النزاع بحيث يشمل الأمر المتعلّق بأحد المتلازمين بعد تعلّق النهي بالآخر لتمّ ما ذكر ، إلاّ أنّه غير ظاهر الاندراج في موضع النزاع ، وفهم العرف غير مساعد هنا حسبما ادّعوه ثمّة.
ويدفعه : أنّه إن اريد به منع كونه من مصاديق الخروج الّذي تعلّق به النهي ، ففيه : منع واضح.
__________________
(١) التوبة : ٥.
(٢) المائدة : ٢.
(٣) البقرة : ٢٢٢.
(٤) الجمعة : ١٠.