الفور والتراخي فإنّهما يفهمان من لفظه بالقرينة. ويكفي في حسن الاستفهام كونه موضوعا للمعنى الأعمّ ، إذ قد يستفهم عن أفراد المتواطي * لشيوع
__________________
وتوضيح ذلك : أنّ اللفظ عند إطلاقه على الفرد لا يتبادر منه بمجرّد سماعه إلاّ معناه الحقيقي الّذي هو نفس الطبيعة ، ثمّ بملاحظة القرائن الخارجة عنه يحصل الانتقال للذهن إلى الفرد ، وإرادة الفور والتراخي من الأمر إنّما هو من هذا الباب لانفهامهما بعد انفهام طلب الماهيّة عن نفس اللفظ بملاحظة الخارج لا عن نفس اللفظ ، فلم يتحقّق له بالنسبة إليهما استعمال حتّى يكون دليلا على الحقيقة فيهما من باب الاشتراك اللفظي.
ودعوى : أنّ هذا المعنى لا يلائمه قوله : « فإنّهما يفهمان من لفظه بالقرينة » تعليلا : بأنّ المناسب على هذا أن يقول : « فإنّهما يفهمان من القرينة » كما في كلام المدقّق الشيرواني في مقام الاعتراض على بعض المحقّقين الحامل للعبارة على ما فهمناه بقوله : « حاصله : منع أنّ الأمر بمجرّده مستعمل في خصوص الفور والتراخي حتّى يقتضي كونه حقيقة فيهما ، بل مستعمل فيما هو أعمّ منهما والخصوصيّة يفهم من شيء آخر ممّا ينضمّ إلى الصيغة ».
يدفعها : أنّ حمل هذا الجزء من العبارة على المسامحة في التعبير أولى من حمل تمامها على ما يساعده الذوق ، بل يبعّده السليقة (١) من أنّ حاصلها : أنّ الاستعمال وإن دلّ على الحقيقة إلاّ أنّ التبادر الّذي هو أقوى منه يعارضه ، بدعوى : أنّ الاستعمال الّذي يدلّ على حقيقيّة المستعمل فيه إنّما هو الاستعمال الّذي لا يعلم كونه بسبب القرينة ومعونتها ، وهو فيما نحن فيه معلوم كونه بمعونة القرينة ، وأمّا مع عدمها فلكونه ممّا يتبادر منه المطلق دون الفور والتراخي لا يصحّ استعماله في أحدهما ، فقد سلّم المجيب استعمال اللفظ في كلّ منهما ومنع الدلالة للعلم بمدخليّة القرينة وتبادر غيرهما مع تجرّد اللفظ.
وأنت خبير بأنّ ذلك بعيد عن العبارة غاية البعد ، كيف وأنّ صحّة الاستعمال في الخصوص بلا قرينة لا إشكال فيها ، غايته لزوم التجوّز ووجود القرينة غير شرط في صحّته عند القوم ، فحمل عبارة المصنّف على دعوى : أنّ اللفظ مع عدم القرينة لا يصحّ في استعماله في أحدهما ليس ممّا ينبغي ، بل توجيه بما لا يرضى به المصنّف جزما.
* تعليل لما ادّعاه من حسن الاستفهام مع الوضع للمعنى الأعمّ ، فإنّ المتواطي إذا جاز
__________________
(١) أي ويبعّد السليقة أن تكون محصّل مراد المجيب هكذا : الخ ، ولا يخفى أنّ ما ذكره بقوله : « وحاصلها أنّ الاستعمال الخ » مأخوذ أيضا من كلام المدقّق الشيرواني في الحاشية فلا تغفل.