ورابعها : أنّ الأمر يجري مجرى أن يقول : « هذا الفعل مراد متكلّم في المستقبل » أو « واجب عليكم » ومعلوم أنّه ليس في ذلك تعيين الوقت.
والجواب عن الأوّل : إنّ المطلق إذا كان وصفا للفور لا حاجة له إلى بيان الوقت اتّكالا على الوضع والعلم ، فلعلّ فقدان البيان من أجل ذلك فمن أين يحكم بتساوي الأوقات في إيقاعه ، مع أنّه لو استقام لقضى بكونه بإزاء الماهيّة فمن أين يعلم بدخول خصوص التراخي في الوضع واعتباره في نظر الواضع بخصوصه كما هو المدّعى ، ولو سلّم فهو أعمّ فكيف يؤخذ دليلا على الأخصّ ، ولو سلّم فإنّما يكشف عن الإرادة لا الوضع.
وعن الثاني : كونه مصادرة إلاّ أن يرجع إلى دعوى تبادر طلب الفعل وعدم تبادر الفور فيصير دليلا على المختار ، ولو سلّم أنّه لا يدلّ عليه فهو أعمّ فلا يصلح دليلا على الأخصّ.
وعن الثالث : كونه قياسا في اللغة وهو باطل بخصوصه ، وهو مع ذلك في المقام مع الفارق ، فإنّ الحكم في المقيس عليه إنّما هو بمعونة الخارج وهو حرف التنفيس المقرون باللفظة ، كيف ولولاه لدلّ على الحال ـ بناء على التحقيق ـ أو أقرب الاستقبال ، ولا ريب أنّ النزاع في دلالة الصيغة عند التجرّد فلذا يخصّص موضعه بالوضع ، وكونها مجرّدة نظير الخبر المنبئ عن الاستقبال أوّل الدعوى ، مع انتفاء الجامع بين الأصل والفرع فلا وجه للقياس من هذه الجهة ، ولو أراد التنظير لورد عليه الاستدلال من باب المصادرة.
وعن الرابع : منع دخول خصوص الاستقبال في مدلول الأمر وبدونه لا يتمّ الدليل ، على أنّه أيضا مصادرة ، مع أنّه لو تمّ واستقام لدلّ على تعيين التراخي وهو وإن حكي القول به إلاّ أنّه في حدّ نفسه ضعيف مخالف للعرف والاعتبار وإجماع العلماء الأبرار ، وقد تقدّم عن العلاّمة في النهاية ـ على ما حكي ـ دعوى أنّ من توقّف في الامتثال بالمبادرة خالف في ذلك إجماع السلف ، إلاّ أن يراد بالمستقبل ما يشمل زمان الفور أيضا بجعله أعمّ من القريب من حال النطق وبعيده ، ويؤيّده ذيل الدليل حيث قال : « ومعلوم أنّه ليس في ذلك تعيين الوقت ».
وحجّة المتوقّف لا يخلو من دعوى عدم الظهور بعدم دليل يوجبه ويرجّح بعض الأقوال على بعض ، أو اعتبار العلم في المقام الخالي لما يوجبه ، وأيّا ما كان فجوابه واضح.
فإنّ ما قدّمناه من التبادر وغيره كاف في إفادة الظهور ، وخصوص العلم غير معتبر في أمثال المقام ، مع إمكان دعوى كون التبادر ممّا يفيده كما لا يخفى على من لاحظ بناء العرف وموارد الاستعمالات جيّدا.