وبنى العلاّمة الخلاف على أنّ قول القائل : إفعل * ، هل معناه : إفعل في الوقت الثاني ، فإن عصيت ففي الثالث؟ ، وهكذا. أو معناه : إفعل في الزمن
__________________
فإذا انقضى أوّل أوقات الإمكان في كلّ شيء بحسبه فات الأمر فلا يبقى الخطاب ، ولا أقلّ من الشكّ في بقائه وعدمه ويؤول إلى الشكّ في التكليف فيدفع بالأصل ، مع أنّه لا يجوز الإتيان بالمكلّف به بقصد التشريع ـ ولا سيّما إذا كان عبادة ـ إذ الأصل فيها الحرمة.
فإنّ التمسّك بالأصل مع كون المقام من مجاري الاستصحاب وأصالة الاشتغال كما ترى خروج عن طريقة أهل العلم ، كما أنّ جعله بعد الشكّ في بقاء الأمر وارتفاعه من أفراد قاعدة التشريع ممّا يومئ إلى عدم الخبرة بسرية أهل الفهم ، ضرورة أنّ استصحاب بقاء الأمر والاشتغال في موارده كاف في إثبات مشروعيّة العبادة ومعه لا يتصوّر التشريع المحرّم.
ثمّ أنّ دعوى كون الأمر على تقدير كونه للفور من قبيل الموقّت أوّل الكلام مع شهادة العرف بخلافه ، فإنّ ما ذكر لا يتمّ إلاّ على تقدير كون الفور مأخوذا في مدلول الأمر على طريق القيديّة ، وهو خلاف ما يساعده الشواهد العرفيّة.
* وأورد عليه (١) : بأنّ ابتناء المسألة على الأمرين غير ظاهر ، أمّا الأول : فلأنّ القول الأوّل محتمل في المعنى الثاني ، إذ لا خفاء في كونه ممّا يتصوّر فيه النزاع المذكور.
وأمّا الثاني : فلما عرفت من كونه قابلا للقول الأوّل ، فالقول الأوّل لا يتوقّف على المعنى الأوّل والمعنى الثاني لا يستلزم القول الثاني.
وأجاب عنه بعض الأفاضل : بأنّ مقصود العلاّمة كون الخلاف في المقام في مدلول الصيغة بحسب اللغة من جهة أنّها هل تفيد لفظا بقاء المطلوب بعد فوات الفور أو أنّها لا تفيد إلاّ وجوب الفعل فورا ولا دلالة فيها كذلك على وجوب الفعل بعد ذلك ، ولذا قال : « إنّ المسألة لغويّة » وحينئذ فالقول ببقاء الوجوب من جهة الاستصحاب كما هو مقتضى الاحتمال المذكور ممّا لا ربط له بمدلول الصيغة حسبما جعله محلّ الكلام.
وأنت خبير بأنّ المورد ليس غرضه الحكم ببقاء الوجوب من جهة الاستصحاب حتّى يتوجّه إليه كونه ممّا لا ربط له بمدلول الصيغة ، بل مقصوده : أنّ المعنى الثاني المتضمّن لوجوب الفور واعتباره في مدلول الصيغة الساكت عن بيان حكم ما بعده من حيث بقاء
__________________
(١) المورد المحقّق الشيرواني ( منه ).