الثاني ، من غير بيان حال الزمن الثالث وما بعده؟ فإن قلنا بالأوّل اقتضى الأمر الفعل في جميع الأزمان ، وإن قلنا بالثاني لم يقتضه ، فالمسألة لغويّة. وقد سبقه إلى مثل هذا الكلام بعض العامّة *.
وهو وإن كان صحيحا ، إلاّ أنّه قليل الجدوى ** ، إذ الإشكال إنّما هو في مدرك الوجهين *** اللذين بنى عليهما الحكم ، لا فيهما. فكان الواجب أن يبحث عنه.
الأمر فيه وعدمه قابل لكونه موردا لكلّ من القولين ، من جهة تردّد الفور المعتبر فيه بين كونه قيدا للطلب أو المطلوب أو جزءا مستقلاّ في مدلول الصيغة غير مرتبط بطلب أصل الفعل.
* وكأنّ مراده ببعض العامّة فخر الدين الرازي على ما حكى بعض الأجلّة عنه من أنّه قال : منشأ الخلاف أنّ قول القائل « افعل » هل معناه : افعل في الزمان الثاني فإن عصيت ففي الثالث وإلاّ ففي الرابع وهكذا أبدا ، أو معناه : افعل في الزمان الثاني من غير بيان حال الزمان الثالث وما بعده؟
فإن قلنا : بالأوّل اقتضى الأمر الفعل في جميع الأزمان ، وإن قلنا : بالثاني لم يقتضه ، فالمسألة لغويّة.
** وأورد عليه بعض الأفاضل : بمنع قلّة الجدوى بهذا الكلام ، فإنّ مقصود العلاّمة بذلك بيان كون النزاع في ذلك مبنيّا على تعيين معناه اللغوي من الوجهين المذكورين ، فيرجع في التعيين إلى العرف واللغة كما نصّ بقوله : « فالمسألة لغويّة » مريدا بذلك بيان أنّ المرجع فيه العرف واللغة دون غيرهما من الوجوه العقليّة ، وليس مقصوده بذلك بيان الحقّ في المقام ، ليرد عليه : أنّه لا يتمّ بمجرّد ما ذكره بل لابدّ من بيان المدرك.
وأنت خبير بأنّ ذلك مناقشة في غير محلّها ، فإنّ غرض المصنّف لا ينافي ما ذكره في توجيه كلام العلاّمة ، وإنّما يعترض عليه من جهة أنّ رجوع القولين إلى المعنيين أمر واضح يعرفه كلّ أحد ، فلا حاجة إلى بيانه والتنبيه عليه ، وإنّما المهمّ المحتاج إليه في المقام بيان ما يقتضي أحد هذين الوجهين ليتمّ به القول الراجع إليه خروجا عن القول بما لا شاهد عليه.
*** قيل : مراده أنّ ابتناء طرفي الخلاف على معنيين أحدهما ملزوم لأحد طرفي