والتحقيق في ذلك : أنّ الأدلّة الّتي استدلّوا بها على أنّ الأمر للفور ليس مفادها ، على تقدير تسليمها ، متّحدا. بل منها ما يدلّ على أنّ الصيغة بنفسها تقتضيه ، وهو أكثرها. ومنها ما لا يدلّ على ذلك ، وإنّما يدلّ على وجوب المبادرة إلى امتثال الأمر ، وهو الآيات المأمور فيها بالمسارعة والاستباق.
فمن اعتمد في استدلاله على الاولى ، ليس له عن القول بسقوط الوجوب حيث يمضي أوّل أوقات الإمكان مفرّ ، لأنّ إرادة الوقت الأوّل على ذلك التقدير بعض مدلول صيغة الأمر * ، فكان بمنزلة أن يقول : « أوجبت عليك الأمر الفلانيّ في أوّل أوقات الإمكان » ويصير من قبيل الموقت. ولا ريب في فواته بفوات وقته.
__________________
الخلاف والآخر للآخر واضح لا فائدة في التعرّض له ، وإنّما الفائدة في بيان ما يثبت به الملزومان ، وإلاّ ففي كلّ خلاف يمكن تحصيل مفهومين يكونان ملزومين لطرفي الخلاف باللزوم البيّن ، وهو كما ترى مطابق لما ذكرناه في دفع الاعتراض المذكور ، إلاّ أنّه أورد عليه بعض الفضلاء : « بأنّ ما ذكره العلاّمة بيان لمدرك الوجهين فإنّ القائلين بالفور لمّا تمسّكوا في إثباته بالتبادر تفرّع عليه الترديد المذكور ، وكان المرجع في التعيين إلى أفهامهم ، إذ لا سبيل لمن أنكر تبادر الفور من الأمر إلى تعيين كونه على أحد الوجهين ولو بعد التنزّل والتسليم ».
ثمّ قال : « وكأنّ هذا هو الوجه في عدم ترجيح العلاّمة لأحد الوجهين ، لكن يشكل : بأنّهم تمسّكوا على هذا القول بالتبادر المستند إلى القرائن الحاليّة كما مرّ في الدليل الأوّل ، فيمكن تعيين أحد الوجهين بعد التنزّل والتسليم لكون التبادر ناشئا عن نفس اللفظ أو كون التبادر مع القرينة علامة للحقيقة ، إلاّ أن يعتذر : بأنّ القرائن الحاليّة لمّا لم تكن منضبطة لاختلافها باختلاف الموارد لم توجب الترجيح.
نعم يرد على العلاّمة : أنّ حجج القول بالفور لم تنحصر في التبادر ، فلا وجه لقصر البحث عليه » (١).
* وفيه : ما عرفت من أنّ مجرّد كون ذلك بعض مدلول الصيغة لا يقضي بصيرورة
__________________
(١) الفصول : ٧٨.