وثالثها : ما عن شيخنا البهائي من التوقّف في ذلك.
والحقّ عندنا هو الأوّل لضرورة قبح التجرّي وإبراز النفس على شرف المعصية عقلا ، وكونه موجبا لاستحقاق الذمّ والعقوبة بحكم الوجدان السليم والعقل المستقيم ، ومحلّ الكلام من موارده.
لا يقال : إنّ التجرّي ليس من العنوانات المحرّمة في الشريعة فكيف يلتزم بإيجابه العصيان والعقوبة ، لأنّه لو اريد بذلك أنّه ليس ممّا نصّ الشارع بمنعه بالخصوص فمسلّم ولكنّه لا يقضي بانتفاء التحريم عنه ، لعدم انحصار طريق ثبوت التحريم في النصّ عليه بخصوصه ، وإن اريد أنّه ليس ممّا يتّصف بحكم التحريم أصلا فممنوع ، كيف وهو ممّا استقلّ العقل بقبحه وعدم إبائه عن عقوبة القادم عليه وهو من أدلّة الشرع ، وهو مع ذلك ممّا استقرّ عليه بناء العقلاء كما لا يخفى على من لاحظ مظانّ بنائهم.
حجّة القول الآخر ـ على ما حكي عن قائله المذكور ـ : أنّ وجوب العمل بالظنّ ليس وجوبا أصليّا كوجوب الصلاة بل هو وجوب توصّلي من باب المقدّمة كالصلاة إلى الجوانب الأربعة ، وترك وطء الزوجة عند اشتباهها بالأجنبيّة ، ولا عقاب على ترك المقدّمات وإنّما يترتّب العقاب على ترك نفس الواجب.
وفيه : منع كون العمل بالظنّ في المقام من باب المقدّمة ، فإنّه مفهوم اعتباري ومفاده وجوب الإتيان بالواجب عينا في الوقت المظنون كونه آخر أزمنة الإمكان.
ومن البيّن أنّه إتيان بنفس ذي المقدّمة لا بمقدّمته ، والعصيان لا يترتّب على ترك الإتيان به لانكشاف بقاء وقته مع حصول الإتيان به فيما بعد ذلك ، وإنّما يترتّب على تأخيره عن زمان الظنّ من جهة كونه تجرّيا على المعصية ، وإقداما على إيقاع النفس في التهلكة ، وهو عنوان آخر محرّم في نفسه بحكم العقل الكاشف عن الشرع ، ومقايسته على مقدّمات الواجب الّتي ليس لها إلاّ وجوب توصّلي واضح الفساد.
كما أنّ دعوى عدم العصيان في مسألة الصلاة إلى الجوانب الأربع وترك وطء الزوجة المشتبهة واضح المنع ، فإنّ المقدّمات العلميّة ليس وجوبها من باب المقدّميّة حتّى لا يترتّب عليه العصيان الموجب لاستحقاق العقاب ، بل إنّما هو من جهة قيام الحجّة عليه بخصوصه ، وهي الّتي قضت بحجّيّة العلم الإجمالي فيكون الوجوب شرعيّا.
ومن الواضح البديهي حرمة مخالفة الحجّة والقيام بما يخالف الواجب الشرعي ، مع