ومن البيّن أنّ ما عدا الاحتمال الأوّل عار عن التحقيق ، فلا يصغى إليه عند إرادة التدقيق ، مع أنّ ما ذكر من الدعويين لا يستقيم إلاّ على الأوسط من ذلك والتزامه في المقام أصعب من خرط القتاد ، حيث لم يتفوّه به أحد من الأصحاب كما يظهر من بعض الأعلام ، على أنّ الخصوصيّات المذكورة ليست عندهم إلاّ أفرادا حقيقيّة للمأمور به ، لوجود أغلب أمارات الحقيقة وانتفاء علامات المجاز وبذلك يسقط الأخير ، مضافا إلى أنّ احتمال التجوّز في جميع الأوامر ممّا لا ينبغي الإلتفات إليه ، مع أنّه لا يجدي نفعا في المقام ، إذ قضيّة ذلك كون المأمور به أوّل الوقت هو الماهيّة المطلقة القابلة لأن يطرأها كلّ من وصفي حالة الاختيار والاضطرار فيلزم جواز الاجتزاء بكلّ من فرديها الحقيقي والمجازي ، إلاّ أن يقال : بأنّها تنصرف إلى الفرد الحقيقي فلا يخرج عنه إلاّ بدليل ولا دليل في المقام وقضيّة ذلك ثبوت الدعويين بكلتيهما.
وأمّا الأوّل من ذلك (١) فأوضح فسادا ، فإنّه ـ مع كونه في نفسه ممّا يكذّبه الوجدان ـ مستلزم في الأوامر بأسرها للاستعمال في أكثر من معنى ، أو التجوّز بإرادة القدر الجامع.
ولا يصغى إلى شيء منهما مع أنّه لا يجدي أيضا ، لأنّ المكلّف إذا طرأه في الوقت حالتان تقتضي إحداهما ماهيّة والاخرى ماهيّة اخرى فالحمل على إحداهما دون الاخرى تحكّم ، بل المناسب حينئذ إنّما هو القول بالتخيير بين اللوازم والخصوصيّات ، بأن يلتزم في كلّ جزء من الوقت ما يناسبه ذلك الجزء من الماهيّات المجعولة من دون أن يتعيّن عليه بعض دون آخر ، إلاّ على دعوى الانصراف أيضا أو نحو ذلك.
وأمّا على ما هو الحقّ من الاحتمالات فالمتّجه حينئذ هو هذا القول أيضا بناء على ظاهر النظر ، لأنّ المأمور به حينئذ هو الماهيّة القابلة لجميع شتات الخصوصيّات ، فيكون دعوى تعيّنها في ضمن بعض أفرادها دون الآخر ممّا لا شاهد لها.
وقضيّة ذلك ثبوت التخيير على الوجه المذكور كالتخيير فيما بين القصر والإتمام لمن كان حاضرا فسافر ، أو مسافرا فحضر ، الّذي يسلّمه الفاضلان.
ولا يرد : أنّ قضيّة ذلك ثبوت التخيير في آن واحد ولو كان المكلّف مختارا وهو بديهيّ البطلان ، لأنّ الخصوصيّات المنوطة بغير حالة الاختيار لا يتشخّص بعنوان كونها أفرادا
__________________
(١) والمقصود منه هو الاحتمال الثاني من الاحتمالات الأربعة الّتي ذكرها قدسسره بقوله : « أو كلّ واحدة منها ماهيّة على حدّه ... الخ ».