يلزم التكليف بما لا يطاق القبيح على العدل الحكيم ، ولكنّه لا يوجب انحصار ما يحصل به الامتثال فيما كان مقدورا حين الطلب ، بحيث لو أتى المكلّف بما يكون من مصاديق ما تصوّره الآمر ممّا هو خارج عن مقدوره لم يكن ممتثلا ، بل لو أتى بالفعل حينئذ لا بقصد العنوان قاصدا فيه عنوانا آخر وإن كان ممّا لم يتعلّق به الطلب كان مجزيا وموجبا للامتثال ، لانطباقه على ما تعلّق به الطلب وكونه من مصاديق ما تصوّره الآمر من المعنى الكلّي ، فيسقط به الطلب قطعا ، نظير سقوطه فيما إذا تعلّق بالكلّي بسبب الإتيان بفرد منه مع أنّه ليس بعين المطلوب وما تعلّق به الأمر على التحقيق السابق ، وإلاّ لكان واجبا عينيّا وهو باطل لكونه أحد الأفراد الّتي حكم العقل فيها بالتخيير ، فلا وجه لكونه مفيدا للإجزاء إلاّ كونه منطبقا على ذلك الكلّي المأمور به.
وإن شئت توضيح ذلك في محلّ البحث فلاحظ نفسك عند إرادتك طلب الماء عن عبدك ، حيث إنّك لم تزل تتصوّر مطلق الماء من غير اعتبار شيء معه من القدرة وغيرها ، إلاّ أنّك عند إلقاء الصيغة إنّما تطلب ما هو مقدور له ، وهو الموجود في بلدك الحاضر لئلاّ يتوجّه إليك التقبيح وغيره ممّا ينافي حكمتك ، فلم يتعلّق طلبك بما هو موجود في البلد النائي كالهند ونحوه لأجل ذلك ، وأمّا لو اتّفق بعد ذلك وجود ذلك الغير المقدور في بلدك بشيء من الأسباب الخارقة للعادات فأتى به العبد لاجتزيت به عنه وليس لك أن تؤاخذه أصلا ، وهل هذا إلاّ لأجل انطباقه على مطلوبك واندراجه فيما تصوّرته.
فإن قلت : قياس ما كنّا بصدده على هذا المثال لعلّه مع الفارق ، لأنّ الماء المفروض في البلد النائي إذا وجد في البلد الحاضر يدخل تحت قدرة العبد ، وإذا أتى به فقد أتى بما هو مقدور له فلم يكن خارجا عمّا تعلّق به الطلب.
قلت : إذا أتى المكلّف بالفعل لا بقصد عنوانه المعتبر في المأمور به كان آتيا بما هو مقدور له ، فلم يكن ذلك خارجا عمّا تعلّق به الطلب ، إذ قصد العنوان على فرض مدخليّته في القدرة إنّما يعتبر طريقا إلى القدرة لا محقّقا لها ، فلا ضير بأن يتحقّق القدرة بغير هذا الطريق وهو قصد سائر العنوانات ، فلولا الفعل المأتيّ به المفروض مقدورا لامتنع الإتيان
__________________
باق على إطلاقه ، وقضيّة الإطلاق حصول الامتثال بالفعل بأيّ نحو اتّفق ، غاية الأمر أنّ ما لم يقصد بشيء من العنوانات كالصادر عن الغافل خرج عن موضوع الامتثال بالدليل فيبقى الباقي تحت الإطلاق لعدم ثبوت دليل آخر. ( منه عفي عنه ).