عليه الإتيان به ثانيا ، بل كان ما أتى به [ فهو ] نفس الواجب وعين المطلوب ، ولا ينافيه عدم ترتّب المدح والثواب على فعله إلاّ مع قصده الامتثال به ، إذ لا ملازمة بين فعل الواجب وترتّب الثواب عليه ، وإنّما يثمر في عدم لزوم المخالفة وعدم ترتّب العقاب على الإخلال بقصد الامتثال وهو كاف في ثبوت المطلوب ، إذ لا نعني بالامتثال إلاّ هذا.
لا يقال : لعلّه من باب الإسقاط لئلاّ يلزم طلب الحاصل ، فلا ملازمة بين سقوط الطلب وحصول الامتثال كما هو المطلوب ، للقطع بأنّه ليس إلاّ من جهة صدق الامتثال عرفا صدقا حقيقيّا وكونه إتيانا بعين المطلوب كما عرفت في تقرير الدليل.
فان قلت : كيف يصحّ ذلك مع أنّه لا يقال عرفا : إنّه أتى بالمأمور به من حيث إنّه مأمور به.
قلت : إن اعتبرت الحيثيّة قيدا للإتيان فكذلك ، إلاّ أنّه أعمّ من عدم كون المأتيّ به هو المأمور به ، وإن اعتبرت قيدا للمأمور به من باب التأكيد فواضح المنع ، ضرورة أنّ عدم كونه هو المأمور به فرع اعتبار القصد فيه وهو غير ثابت بل الثابت خلافه ، لما عرفت من أنّ الآمر لا يلاحظ ولا يطلب إلاّ أصل الفعل من دون التفات منه إلى القصد المذكور.
احتجّوا ـ كما في كلام بعض الأعاظم ـ بوجوه.
الأوّل : أنّ صدق الامتثال في الأوامر عرفا لا يحصل إلاّ بقصد الامتثال ، فلو أمر المولى عبده بشيء فأتى به من باب تشهّي نفسه من دون ملاحظة أمر مولاه ، أو أتى به بقصد أن يقتل مولاه ، أو بنى على مخالفته ثمّ نسي أمر مولاه وأتى به من دون أن يخطر بباله أمره ، أو طلب منه ذلك الشيء عدوّ مولاه فأتى به لذلك لا من جهة أنّ مولاه أمره به ، لا يعدّ في شيء منها ممتثلا قطعا.
والجواب : بأنّه إن اريد أنّ ما يأتي به العبد في تلك الموارد ليس بما طلبه المولى ولا مندرجا في مطلوبه وهو موجب لئلاّ يكون ممتثلا ، فهو ممّا يكذّبه الوجدان ، لأنّا نجد المولى في بناء العرف أنّه عند التصوّر لا يلاحظ إلاّ ذات الشيء ولا يطلب إلاّ حقيقته من حيث هي.
نعم قصد امتثال أمره عند الإتيان بمطلوبه محبوب آخر عنده ، ولكن لم يكن حسنه بالغا إلى حدّ يقضي بإيجابه ليكون واجبا برأسه ، وهذا هو الّذي ينشأ منه المدح والثواب على العمل لو قارنه القصد غير أنّه لا يوجب دخوله في مطلوبه الّذي لاحظه بعنوانه الخاصّ حتّى لا يكون الإتيان بما خلا منه امتثالا للأمر وإتيانا للمأمور به.
وإن اريد به أنّه لو كان ذلك امتثالا في تلك الموارد لما ترتّب عليه ذمّ ولا استحقاق