ومن البيّن بملاحظة ما قرّرناه في صدر المسألة أنّ النظر هنا إنّما هو في الأصل الثانوي ، وإلاّ فالأصل الأوّلي لا ينبغي الإرتياب في كونه مقتضيا للتوصّل ، سواء استفيد الطلب من الدليل اللفظي أو الدليل اللبّي ، لرجوع الاشتباه إلى الشكّ في الشرطيّة أو الجزئيّة فأصل البراءة ـ مضافا إلى أصالة العدم على الثاني ـ وأصل الإطلاق المعتضد بالأصلين على الأوّل ينفيانه.
فما قيل في الاستدلال بأنّه لو لا البناء على التوصّل للزم الالتزام بأمر زائد ، لاشتراط التعبّدي بقصد الامتثال ، فحينئذ لو كان الطلب ثابتا بالأدلّة اللبّية لكان ذلك مندفعا بالأصل الّذي يجوز إجراؤه فيما يشكّ في كونه شرطا أو جزءا ، ولو كان ثابتا باللفظ لكان مندفعا بأصالة الإطلاق ، فالحكم بالتوصّلي إنّما هو من مقتضى هذين الأصلين إن اريد به تأسيس الأصل الأوّلي ، فليس به بأس وإلاّ فغير مجد لجواز انقلاب ذلك الأصل بدليل خارجي من عقل أو نقل إلى أصل آخر ثانوي كما توهّم ، فيجب الخروج منه حينئذ إلى موجب ذلك الأصل.
نعم لولا ثبوت ذلك الأصل لكان المصير إلى موجب الأصل الأوّلي متّجها ، فيؤول الأمر حينئذ إلى أنّه هل هنا قاعدة ثانويّة تقتضي كون الأصل في كلّ واجب هو التعبّد إلاّ ما أخرجه الدليل أو لا؟ بل الأصل الأوّلي باق على حاله فيحكم في كلّ واجب بالتوصّل إلاّ ما أخرجه الدليل.
ففيه خلاف بين الأصحاب ، والّذي يستفاد من بعض الأعلام هو الأوّل ، ووافقه على ذلك بعض الأعاظم وهو محكيّ عن الفاضلين العلاّمة والمحقّق في باب الوضوء من المنتهى والمعتبر تمسّكا بجملة من الآيات والروايات ، بل صرّح به العلاّمة في التهذيب ، وهو المستفاد من السيّد في شرحه.
وقد صار المحقّقون إلى خلافه فقالوا : ببقاء الأصل الأوّلي على حاله ، واختاره بعض الفضلاء وفاقا لأخيه في الهداية ، وهذا هو الراجح في النظر القاصر.
وقد عرفت سابقا ، أنّ النظر في ذلك تارة إلى حكم العقل ، واخرى إلى بناء العرف ، وثالثة إلى قضاء الشرع.
ومن البيّن أنّ العقل نفيا وإثباتا ساكت في المقام ، إذ لا مدخل له في الامور التوقيفيّة.
وأمّا العرف : فهو قاض بما رجّحناه للقطع بأنّ العبد المأمور بشراء اللحم متلا إذا أتى به مطلقا وإن لم يكن بعنوان أنّه ممّا أمر به المولى لم يعدّ عاصيا لمخالفته الأمر ، ولا يجب