ولو سلّم أنّ المقام من مجاري القواعد العامّة العمليّة فإنّما هو من مجاري أصل البراءة ـ لما هو المقرّر في محلّه ـ ومعه يحصل العلم الشرعي بالامتثال.
أو يقال : إنّ الاشتغال لم يثبت إلاّ بأصل الطبيعة وهي حاصلة كما هو المفروض.
وأمّا دعوى : أنّ ما ذكر أظهر الأفراد ومتبادرها فكلام ظاهري لا يجدي ، إذ لو اريد بالظهور ما نشأ عن كمال الفرد.
ففيه : أنّه ممّا لا اعتداد به ، ولو اريد به ما نشأ عن غلبة وجوده في الشرعيّات ، فيردّه : منع الغلبة في هذا الطرف إن لم تكن في الطرف الأخير ، نظرا إلى أنّ الأمر في الشريعة قد ورد على نوعين ، فمن نوع التعبّدي الصلاة والصوم والحجّ وغيره من العبادات ، ومن نوع التوصّلي إزالة النجس عن المسجد ، وتطهير الثوب أو البدن عن النجاسة ، وأداء الدين ، وردّ الوديعة ، وردّ السلام ، وغير ذلك ممّا لا يخفى. وظاهر أنّ الغلبة لو لم تكن متحقّقة في الثاني فليست بمتحقّقة في الأوّل جزما.
أو في العرفيّات ، فيدفعه : عدم وجود مورد فيها يكون قصد الامتثال معتبرا في أداء المأمور به فضلا عن كونه الغالب.
ولو اريد به ما نشأ عن غلبة الإطلاق عليه في الشرع أو العرف.
ففيه أيضا : منع واضح بل أظهر منعا عمّا سبق كما لا يخفى ، وقياس ما نحن فيه على « النقد » المنصرف عند الإطلاق إلى الرائج مع الفارق من وجوه شتّى.
الرابع : طبائع الأفعال وإن كانت غير متوقّفة على حصول النيّة ، بل الأفعال أفعال لغة وعرفا إلاّ أنّ امتثال الأوامر يتوقّف عليه ، وإلاّ لزم عدم الفرق في الامتثال بين ما صدر من الغافل والناسي وغيرهما والكلّ واضح البطلان.
والجواب : أنّ الأفعال إذا سلّم عدم توقّفها لغة وعرفا على حصول النيّة فأيّ دليل قضى بتوقّف امتثال الأوامر على حصولها ، مع أنّ ظاهر اللفظ لغة وعرفا تعلّقها بها على طبائعها الكلّيّة.
والنقض بلزوم عدم الفرق في الامتثال بين ما صدر من الغافل والناسي وغيرهما ليس في محلّه ، إذ لو اريد بالغافل ما هو كذلك ابتداء فهو خارج عن موضع البحث ، إذ لا يتوجّه إليه خطاب حتّى ينظر في حاله.
ولو اريد به ما طرأه الغفلة بعد ما تفطّن بالتكليف.
ففيه : ما تقدّم في المرحلة الاولى من أنّ هذه الغفلة غير قادحة في صدق الامتثال ، فما