صدر عن ذلك ليس بخارج عمّا تعلّق به الطلب حتّى يؤخذ موردا للنقض ، كما أنّ ما صدر عن الغافل الابتدائي ليس بداخل في العنوان حتّى ينتقل من بطلان كونه امتثالا إلى بطلان المدّعى.
ومحصّل الجواب : منع الملازمة على تقدير وبطلان اللازم على تقدير آخر ، ومثله النقض بالناسي ، فإنّ ما يصدر منه مطلوب للآمر بل عينه ، وإن كان هو ناسيا لأمره.
وأمّا الشرع : فقد استدلّوا منه على اعتبار النيّة في كلّ واجب إلاّ ما أخرجه الدليل بوجوه واهية غير ناهضة على مطلوبهم.
منها : قوله تعالى : ( وَما أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )(١) حكى الاستدلال به عن العلاّمة في المنتهى ، وعن المحقّق في المعتبر ، مضافا إلى قوله تعالى : ( فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ )(٢) وتمسّك به العلاّمة والسيّد في التهذيب والمنية على ما رأيناه.
وكان وجه الاستدلال به : أنّه بقرينة النفي والاستثناء قصر للمأمور به العامّ المقدّر بالعبادة على وجه الإخلاص ، إمّا بزعم أنّ العبادة ما اعتبر في مفهومها عرفا ذلك ، أو جعل الدين الّذي هو الطريقة عبارة عن مجموع العقائد وفعل الواجبات ، نظرا إلى أنّ الإخلاص به لا يتأتّى إلاّ بقصد الامتثال.
والظاهر عدم الفرق بين جعل مدخول « اللام » غاية لمضمون الأمر ، بدعوى : كون « اللام » للعلّة ، ليكون التقدير : « وما أمروا بشيء ممّا أمروا به إلاّ لأجل أن يعبدوا الله » أو جعله نفس المأمور به ، بدعوى : كون « اللام » للتقوّي نظير ما في قوله تعالى : ( وَأُمِرْتُ ) لأعبد ( الَّذِي فَطَرَنِي )(٣) وقوله أيضا ( وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ )(٤) وغير ذلك ممّا وقع « اللام » عقيب الأمر أو الإرادة كقوله : ( إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ )(٥) كما توهّم ، ولا بين أن يقدّر المأمور به على الأوّل من جنس المستثنى ليكون التقدير : « وما امروا بالعبادة » على ما حكى عن ابن هشام في المغني من القول بأنّ هذه « اللام » لو كانت للغاية فلابدّ من كون مدخولها مفعولا للفعل المتقدّم عليه ، بمعنى لزوم أن يقدّر مفعول ذلك الفعل من جنس مدخولها ، أو غيره كما يتوهّم أيضا.
__________________
(١) البيّنة : ٥.
(٢) الزمر : ٢.
(٣) كذا في الأصل ، والآية المباركة هكذا : (وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي) ( يس : ٣٦ ).
(٤) الأنعام : ٧١.
(٥) الأحزاب : ٣٣ ، وقوله أيضا : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) ( منه ). ( النساء : ٤ ).