العمل ، وهو محتمل لمحامل ثلاث :
أحدها : سنخ العمل الاختياري بجميع اعتباراته وعنواناته ، منويّة كانت أو غير منويّة أو مختلفة.
وثانيها : العمل الاختياري بالجهة الّتي وقع بلا نيّة بالنسبة إلى تلك الجهة ، وإن اشتمل عليها في الجهة الاخرى ، كإكرام زيد مثلا أو ضربه إهانة أو أذيّة إذا استلزم إهانة عمرو أو تأديبه ، فهو بالنسبة إلى الإهانة والتأديب غير منويّ فلا يكون عملا اختياريّا وإن كان من جهة الإكرام والإهانة عملا اختياريّا لكونه منويّا من تلك الجهة.
وثالثها : المعنى الخاصّ المصطلح في لسان المتشرّعة واجبا كان أو مندوبا. والنيّة أيضا محتملة لأن يراد بها المعنى اللغوي المتداول في العرف وهو مطلق القصد ، أو المعنى الخاصّ المتعارف في عرف المتشرّعة المعبّر عنه بقصد القربة ، والحاصل من ضرب الأوّلين في الثلاث المتوسّطة ثمّ المرتفع في الأخيرين اثنا عشر احتمالا ، وظاهر أنّ الاستدلال لا يتمّ إلاّ بانضمام الثاني من الأوّلين إلى ثالث الثاني مع ثاني الثالث وهو كما ترى مخالف للأصل والظاهر من جهات عديدة ، والالتزام به بحمل الرواية عليه دونه أصعب من خرط القتاد ، مع عدم دلالة معتبرة.
والّذي يظهر بملاحظة أنّ الشارع ليس من شأنه إلاّ بيان ما يتعلّق بشرعه مع مراعاة سائر القواعد (١) على قدر الإمكان إنّما هو التصرّف في النافية مع إبقاء الباقيين على ما عليه بحسب الأصل ، فيكون مفاد الرواية حينئذ عدم الاعتداد بعمل الغافل والهازل والساهي والمكره في عقودهم وإيقاعاتهم بل مطلق معاملاتهم وعباداتهم ، فلا يبقى فيها دلالة حينئذ على أنّه لا يكون عملا إلاّ بنيّة التقرّب حيث لا شاهد فيها على هذا القصد ، فيبقى المتنازع فيه غير ثابت بتلك الرواية.
__________________
(١) منها : لزوم الكذب لو حمل النفي على نفي الحقيقة و « النيّة » على أحد المعنين.
ومنها : لزوم تخصيص الأكثر لو حمل النفي على نفي الآثار و « النيّة » على معناها الخاصّ ، ضرورة خروج المحرّمات والمكروهات والمباحات بل سائر العقود والإيقاعات ، لعدم اشتراط شيء من ذلك بنيّة التقرّب وليست الواجبات والمندوبات بالنسبة إليها إلاّ كشعرة بيضاء في بقرة سوداء ، ولزوم التجوّز في لفظ « العمل » لو حمل على مصطلح المتشرّعة مع التجوّز في « النيّة » أيضا على بعض التقادير كما عرفت ، فيترجّح ما ذكرنا من جهة عدم استلزامه شيئا من ذلك ، ولزوم التجوّز في كلمة « لا » لا بأس به بعد قيام القرينة الدالّة على ذلك ، وهو صون كلام الحكيم عن الكذب واشتماله على ما لا شبهة في مرجوحيّته ولو في مقابلة المجاز النادر فضلا عن المجاز الشائع. ( منه عفي عنه ).