ومثله الكلام بعينه في الرواية الثانية ، نظرا إلى أنّ كلمة « إنّما » أداة حصر فتكون بمنزلة النفي والاستثناء على ما هو المصرّح به ، فتفيد حصر الأعمال بجميع أنواعها فيما تلبّس بالنيّة دون غيره ، فيأتي الاحتمالات المتقدّمة بأسرها ، والجواب الجواب.
وأمّا الرواية الثالثة فعدم صلوحها دليلا على مطلوبهم أوضح ممّا سبق ، فإنّ أقصى ما تقضي به في المقام أنّ المرء إنّما يثاب بما نوى في عمله ، فما لم ينو فيه أصلا فليس بمثاب ، وهو كما ترى ليس من محلّ الكلام في شيء لأنّه ليس بما ينكره أحد ، فهي في الدلالة على هذا المعنى لا توجب أصلا كلّيّا يكون هو المرجع والمعوّل في أوامر الشارع من حيث الحكم بكونها في الموارد المشتبهة تعبّديّات.
وبالجملة لا دليل من الكتاب والسنّة ولا غيرهما على كون الأصل في كلّ واجب هو التعبّدي إلاّ ما أخرجه الدليل.
وقضيّة ذلك انعكاس القضيّة بكون الأصل في كلّ ذلك هو التوصّلي إلاّ ما أثبته الدليل أخذا بموجب ما تقدّم من إطلاق الأوامر الواردة ، ويتمّ فيما عدا ذلك ممّا ليس بأمر لفظيّ بالإجماع المركّب وعدم القول بالفصل ، مضافا إلى أصالة البراءة النافية لاحتمال مدخليّة ما زاد على أصل الأفعال ممّا لم يقم عليه من الشرع دليل واضح ، من دون معارضة استصحاب الأمر وأصل الشغل له في أمثال المقام كما عرفت مرارا ، وستعرف تفصيل القول فيه في محلّه إن شاء الله.
هذا كلّه في الأوامر الإيجابيّة ، وأمّا الندبيّة بل المندوبات مطلقا ، فقضيّة الأصل الأوّلي عدم إناطتها بنيّة القربة وقصد الامتثال عرفا ولغة ، إذ لا فرق في جريان الإطلاق في الألفاظ بين حقائقها ومجازاتها ، ولكنّ الّذي يظهر من طريقة الشارع وسيرة المتشرّعة مع قضاء القوّة العاقلة انقلاب الأصل فيها بورودها شرعا مورد التعبّد ، وكأنّ وجه الفرق أن لا غرض فيها أصالة إلاّ ترتّب استحقاق المثوبات ورفع الدرجات.
ومن البيّن دوران ذلك مع النيّة وجودا وعدما ، بخلاف الإيجابيّة الّتي يقصد بها أصالة التحرّز عن المعصية واستحقاق العقاب ، وظاهر أنّ ذلك يتأتّى بمجرّد الايجاد وحصول المأمور به في الخارج كيفما اتّفق.
المرحلة الخامسة
حيث يعتبر القربة ونيّة الامتثال ، فهل يشترط مع ذلك قصد الوجه من وجوب أو ندب