الدالّ على الطلب مع المباشرة.
وإن اريد استفادتها من الخارج ، فقضاؤه بذلك الفرق على وجه يكون ضابطا كلّيّا فيهما ممنوع ، كيف وفي التعبّديّات أيضا ما سقط عنه اعتبار المباشرة شرعا.
وتحقيق المقام يستدعي بسطا في الكلام ، المقتضي للنظر في أنّ الواجبات مطلقا ، بل العبادات بالمعنى العامّ الشامل للمندوبات أيضا ، هل الأصل فيها لزوم المباشرة أو جواز عدم المباشرة أيضا؟
ويظهر الثمرة في النيابة والاستنابة ، وجواز أخذ الاجرة بالنسبة إلى مورد الشكّ الّذي لم يرد من الشرع ما يوجب جواز ذلك فيها ، ولا ما يدلّ على عدم الجواز.
فنقول : لا خفاء أنّ الواجبات وغيرها من العبادات وغيرها بحكم الاستقراء على أنواع.
منها : ما لا يقبل النيابة والاستنابة قطعا ، كالفرائض اليوميّة ونوافلها ، والحجّ الواجب على غير العاجز ، والصوم الواجب ، وواجبات الزوجة على الزوج من المضاجعة معها والوطء بها في موضع الوجوب.
ومنها : ما يقبلها قطعا كالحجّ الواجب على العاجز ، وتطهير الثوب وتحصيل الساتر للصلاة ، وتغسيل الأموات وتكفينهم ، والصلاة عليهم ومواراتهم وحفر قبورهم والحجّ المندوب ونحو ذلك ، وهذان النوعان خارجان عن محلّ الكلام جزما.
ومنها : ما يشكّ في قبوله لها وعدمه كغسل الجمعة والزيارات والصدقات ونحوها ، ومنشأه الشكّ في اعتبار المباشرة وعدمه ، فحينئذ ربّما يمكن أن يقال بالمنع عن ذلك ، القاضي باعتبار المباشرة أخذا بموجب قوله عزّ من قائل : ( أَلاَّ تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى )(١) و ( أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاَّ ما سَعى )(٢) بتقريب : أنّ الحصر يفيد أنّ الإنسان لا يثبت له عدا ما يسعى فيه.
وقضيّة ذلك توقّف ما يثبت له من الأعمال والخيرات على المباشرة النفسيّة.
ولو قيل : إنّ الاستنابة وبذل الاجرة أيضا نوع من السعي ، لدفعناه : بظهور السعي المسند إليه في المباشرة ، مضافا إلى أنّ العبادات وغيرها إن ثبتت مشروعيتّها بالأدلّة اللفظيّة فظاهرها العينيّة والمباشرة النفسيّة ، وإن ثبتت بالأدلّة اللبّيّة فقضيّة الاقتصار على القدر المتيقّن هو المباشرة أيضا لأنّه مورد اليقين ممّا أثبته اللبّ جزما.
ولو قيل : بمنع ذلك ، بدعوى : أنّ الأصل في كلّ عبادة قبول النيابة وعدم اعتبار
__________________
(١ و ٣) النجم : ٣٨ و ٣٩.